
استجابت مناطق عدة لدعوات الإضراب والاحتجاج، منذ يوم الخميس الماضي، خصوصاً في محافظتي درعا والسويداء جنوبي سورية، حيث السيطرة الأمنية الهشّة لنظام الطغمة التي تحول دون اعتقال المحتجين. ولكن اللافت خروج العشرات من الأشخاص في حركة احتجاجية في ساحة “السيوف” في حي جرمانا، جنوب شرقي دمشق، في حدث هو الأول من نوعه تشهده العاصمة، التي يفرض عليها النظام سيطرة أمنية مطلقة.
وبهذا تكون قد عادت المظاهرات إلى العاصمة دمشق من بوابة مدينة جرمانا الواقعة إلى الشرق منها، حيث تظاهر العشرات احتجاجاً على ما وصل إليه حالهم الاقتصادي والمعيشي، مرددين شعارات نادى بها السوريون مع انطلاقة الثورة السورية في 2011.
وقال مراسل «الخط الأمامي» في “دمشق”، أن العشرات من أهالي جرمانا نفّذوا وقفة احتجاجية منددة بتدهور الأحوال المعيشية، مضيفاً أن المحتجين انطلقوا من أمام بناء مجلس البلدية باتجاه ساحة السيوف.
وبثّ ناشطون مقطعاً مصوراً للوقفة التي تحولت إلى مظاهرة شارك فيها العشرات حاملين لافتات تندد بالواقع المعيشي وتطالب بتحسينه.
كما ردد المتظاهرون هتافات كان السوريون قد نادوا بها خلال الأيام الأولى من تظاهراتهم مع بداية انطلاق الثورة السورية وهي “هيه ويلا.. ما منركع إلا ل الله”.
إضافة إلى ذلك، صدحت حناجر بهتافات مناهضة لرئيس النظام السوري بشار الأسد حيث قالوا: “مابدنا حكي وأشعار.. بدنا نأكل يا بشار”.
وكانت هذه استجابة مدينة جرمانا لدعوات العصيان المدني رداً على قرارات حكومة النظام الأخيرة، مؤكدين أن أكثر من 80 في المئة من المحلات التجارية أقفلت أبوابها.
وفيما حاول النظام السوري التقليل من التظاهرة عبر إظهارها بأنها تطالب بتحسين واقع وصل التيار الكهربائي وتخفيف التقنين، قال ناشطون إن الاحتجاجات ستتواصل يوم الأحد.
السويداء:
قطع ناشطون في محافظة السويداء، خلال محاولات الإضراب الأولى، غالبية الطرق المؤدية إلى المدن والبلدات الرئيسية داخل المحافظة، وإلى العاصمة دمشق، في خطوة تصعيدية للاحتجاج على السياسات الاقتصادية للنظام السوري، الذي أرسل تعزيزات عسكرية جديدة لحماية مقاره الأمنية.
وذكر مراسلنا في السويداء، إن الدوائر الحكومية في مدينة السويداء جلبت الموظفين من بيوتهم بواسطة المركبات التابعة لها، مشيراً إلى أن “حركة المواطنين قليلة جداً، وسط إغلاق جزئي للمحال في الأسواق”. وأضاف: “التعزيزات الأمنية قدّرت بمئات العناصر الذين توزعوا في مقار الشرطة والأفرع الأمنية والدوائر الرسمية وسط مدينة السويداء”.
كما شارك المئات من أبناء محافظة السويداء في وقفة احتجاجية في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، مرددين شعارات ثورية منددة بسياسات النظام التي أدت إلى انسداد آفاق الحل السياسي في سورية، ما أدى إلى تدهور الاقتصاد. ودعا المحتجون الموظفين في مؤسسات النظام إلى التزام منازلهم بداية من الأسبوع المقبل، واتفقوا على تجديد وقفتهم يوم الأحد في نفس الموعد والمكان.
كذلك نظم ساخطون وقفات احتجاجية في بلدات عدة داخل محافظة السويداء، وذلك في القريّا، نمرة وعريقة، صلخد، شهبا، قنوات، الثعلة، والدور. وانضم قادة عدد من الفصائل المسلحة المحلية إلى حركة الاحتجاج، في خطوة تعكس حالة الاحتقان في هذه المحافظة التي لطالما شهدت حركات احتجاج خلال السنوات الماضية بسبب الأحوال المعيشية المتردية. وأكدت مصادر محلية في بلدة شهبا خلو كراج البلدة من السيارات المخصصة لنقل الأهالي من المدينة إلى القرى المجاورة، مشيرة إلى أن معظم المحال التجارية أغلقت أبوابها استجابة لدعوات الإضراب.
درعا:
كما شارك أهالي مدينة “نوى” كبرى مدن الريف الحوراني، بالإضراب، أمس الخميس، مجددين الدعوة لرحيل نظام الأسد وللتعبير عن رفض الأحوال المتدهورة التي وصلت إليها البلاد بسبب سياسات النظام.
وأعلنت المدينة إضراباً عاماً شلّ حركة التنقل فيها، استجابةً لدعوات الناشطين تحت اسم “ارحل بدنا نعيش”، حيث تجاوزت نسبة الإضراب فيها 70% من المحال التجارية، بحسب “تجمع أحرار حوران”.
وذكر التجمع أن صورا متداولة أظهرت حركة تجارية شبه متوقفة في مدينة نوى، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية التي وصلت إليها المناطق التي تقع تحت سيطرة نظام الأسد.
كذلك قام شبان في قرية “المسيكة الغربية” بمنطقة “اللجاة” شمال شرق درعا بإغلاق الطرقات بالإطارات المشتعلة.
طرطوس واللاذقية:
نتيجة قوة القبضة الأمنية وهيمنة النظام على الفضاء العام بشكل متشدد لجأ المحتجون إلى أساليب مبتكرة بالإضافة لنسبة إغلاق تجاوزت ال40 % وفق مراسل الخط الأمامي في اللاذقية فقد انتشرت قصاصات ورقية وكتابات تحرض على الإضراب والالتزام بالمنازل، هذا وقد وردنا أنباء عن اعتقال 14 شخص من المحافظتين الساحليتين خلال الثلاثة أيام الماضية.
الناس لم تعد تحتمل
وكان رئيس نظام الطغمة بشار الأسد حاول تخفيف الضغط عن مناطق سيطرته من خلال سلسلة قرارات، حيث ضاعف الثلاثاء الماضي رواتب العاملين في القطاع العام، من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين، بيد أنه رفع الدعم بشكل كلي عن البنزين، ما يعني تآكل هذه الزيادة التي أعقبتها على الفور طفرة في أسعار أغلب المواد، وتراجع جديد في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، حيث بات الدولار الواحد يساوي أكثر من 15 ألف ليرة.
ويتراوح راتب الموظف في مؤسسات الدولة بعد الزيادة بين 15 إلى 20 دولاراً أميركياً في ظل انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي وشحّ في المحروقات، وتراجع كبير للقدرة الشرائية مع تدهور قيمة العملة المحلية. كما أصدر الأسد أمراً بإنهاء الاستدعاء والاحتفاظ لفئات محددة في قواته، في خطوة هي الثانية خلال شهر، في سياق محاولات لتطويق الاحتقان المتزايد في مناطق سيطرته التي تعاني أوضاعاً تكاد تصل إلى حدود الكارثة.
وإذ نتوقع أن يترجم الاستياء إلى مزيد من الحركات الاحتجاجية في مناطق سيطرة النظام فالناس لم تعد تحتمل هذه الحال أبدا، والحديث بات علنياً في الشوارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ستبقى هذه الحركات الاحتجاجية مشتتة وضعيفة التأثير السياسي طالما لم يتم صهرها في بوتقة ثورية واحدة لتتبنى شعارات ومطالب تتجاوز حدود التقسيمات العمودية للشعب السوري في كل أجزاء سوريا.
اعداد الرفيقة دينا حداد