
التجويع، فصل جديدٌ قديمٌ من فصول حملات الإبادة الجماعية الممارسة على الطبقة العاملة في سورية، بدأها نظام الطغمة منذ لحظة استيلائهم على السلطة وصولاً إلى إجراءاتهم الأخيرة المتعلقة برفع الدعم عن الخبز والمازوت والبنزين والكهرباء والماء.
يتعامل نظام الطغمة بدولته ومؤسسات طبقته الحاكمة مع السوريين في مناطق سيطرته كمعتقلين جماعيين في معسكرات الاعتقال، حولوا البلاد إلى معتقل جماعي ليس إلا، حُكم على من فيه بالأعمال الشاقة والعمل سخرةً وفق أجر مهين لا يكفي حتى لتغطية تكاليف النقل إلى مكان العمل.
قسموا البلاد إلى مهاجع وتقاسموها مع قوى الثورة المضادة التي خرجت من رحم النظام وقامت بدورها الانتهازي بإجهاض الانتفاضة الثورية في آذار ٢٠١١ من خلال الانقلاب على الحراك ومطالبه الجذرية لتكون نموذجاً موازي له ويشبهه من حيث الدور الوظيفي الطبقي ويلعب دور الفزاعة لإبعاد السوريين عن مسارات التغيير الثوري
عمل نظام الطغمة بكل أدواته على إبعاد الطبقة العاملة في سورية عن خوضها الصراع ببعده الأساسي (الطبقي), وحرفه إلى مسارات صراع أهلية على أساس طائفي أو قومي أو عرقي مستثمراً بأدواته من المعارضة السياسية الرسمية (محلية وخارجية) والتيارات الجهادية المصنعة في أقبية استخباراته أو أقبية أجهزة الاستخبارات الدولية للأنظمة الرأسمالية الكبرى.
استطاعوا استنزاف الطبقة العاملة وتشتيت الحامل الثوري للصراع الطبقي في سوريا وتحويل جزء كبير منها إلى حامل اجتماعي مشتت بين النظام والثورة المضادة
ولكن لم تمر التجربة الثورية للسوريين هباءً ودماءً مهدورة فقط، تعلمنا الدرس بالطريقة الأقسى في التاريخ وراكم السوريون وعياً سياسياً يتناسب مع مأساوية الواقع وأصبح الصراع اليوم ببعده الطبقي أوضح من أي وقت مضى، وهذا هو المكسب الأعظم للشارع السوري ، أدرك حقيقة عدوه وأدرك حدود طبقته وأدرك طبيعة صراعه ، والوعي الطبقي هنا سيلعب دوراً أساسي في رسم ملامح الثورة القادمة وفي حمايتها من فخ الثورة المضادة
وفي استرداد الحامل الاجتماعي للثورة واستعادته من الكيانات السياسية والعسكرية للصوص الثورات
يقف اليوم بين العامل السوري ورغيف خبزه وحريته احتلالات الخارج وحكومات الانتداب العميلة من الداخل
ويدرك السوريون يوما بعد يوم كلما ازداد النهب ولحقه الجوع، أن صراعهم مع لصوص القوت ومع الدولة التي تحمي “حق اللصوص بالسرقة” هو صراع حياة أو موت
وأن التناقض بين مصالح الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة لم يعد يحتمل وجود الطرفين فإما أن تزول الطبقة الحاكمة وأداة قمعها الطبقية “الدولة البرجوازية” أو تزول الطبقة العاملة السورية من الوجود ، ويبدو أن نظام الطغمة وبكل ما يحمله من نزعة تدميرية “الأسد أو نحرق البلد” ماض بخطى غبية نحو الخيار الثاني أملاً منهم أن تدمير أو تهجير جزء كبير من الطبقة العاملة سيعيد توازن القوى في الصراع الطبقي لمصلحتهم ويتمكنوا من إعادة إنتاج نظام طبقي قادر على الحكم وتطويع من تبقى من الطبقة العاملة في نظام مزرعة الكبتاغون الجديد.
الدولة الطبقية في سورية واستعصاء التناقض الطبقة
استعصاء التناقض الطبقي: (طبقة عاملة منهوبة لا تستطيع البقاء إلا بزوال الطبقة الناهبة وتوقف النهب، وطبقة ناهبة لا تستطيع البقاء إلا من خلال نهب الطبقة العاملة)
فإذا كان الدور الوظيفي للدولة الطبقية البرجوازية الذي أدى إلى نشوئها تاريخياً في حالة استعصاء التناقض الطبقي هو :”تلطيف” الصراع الطبقي :(من خلال وجود الدولة كأداة قمع طبقية تعمل لمصلحة الطبقة الحاكمة المحتكرة لوسائل الإنتاج، وتضمن سيطرة الناهبين على المنهوبين وتضمن استمرار الطبقة المنهوبة في العمل في نمط علاقات إنتاج رأسمالي يقوم على سرقة قوة العمل للطبقة العاملة لمصلحة الطبقة الناهبة، وتمكين طبقة اللصوص الناهبين الكبار من مراكمة الثروة كشرط أساسي لبقاء واستمرار النظام الرأسمالي ونمط علاقات الإنتاج الاستغلالي، وتحمي طبقة اللصوص الحاكمة من محاولات الطبقة العاملة للتحرر من سلطتها كطبقة حاكمة وبالتالي ضمان بقاء المجتمع في حالة المجتمع الطبقي البرجوازي)
أدت الطبيعية الاوليغارشية _ الملكية للطبقة الحاكمة والسياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المدمرة للطبقة العاملة في سورية والمتراكمة تاريخياً, إلى فشل الدولة الطبقية في سورية بالقيام بدورها الطبقي البرجوازي “تلطيف الصراع الطبقي” وأدت ممارساتها إلى تأجيجه مما أدى الى كثير من الإضرابات والانتفاضات أكبرها الانتفاضة الشعبية في اذار 2011 , وأعاد التناقض الطبقي في سورية إلى “نقطة استعصاء التناقض الطبقي”
حاول النظام وطبقه ودولته الخروج من هذا الاستعصاء من خلال شن حرب مباشرة على الطبقة العاملة أملاً منهم باستعادة توازن القوى لمصلحتهم و”تلطيف الصراع الطبقي” من خلال تدمير جزء كبير من الطبقة العاملة واستعادة السيطرة على من تبقى
ولكن خلال حملتهم الدموية على الطبقة العاملة دمروا قوى الإنتاج ووسائل الإنتاج وبالتالي دُمرت أهم شروط وجود (الدولة الطبقية والطبقة البرجوازية) المتعلق بحاجتهم للاستمرار بمراكمة “الربح” أو الثروة من خلال سرقة قوة العمل من الطبقة العاملة
أدرك النظام جيداً أنه لا وجود لنظام رأسمالي دون مراكمة ثروة من خلال النهب فلجأ لتعويض خسارته الاقتصادية (نتيجة فقدان قوى الإنتاج وتدمير الطبقة العاملة)
من خلال بيع أراضي البلاد وتأجيرها، وتسريع وتعميق الخصخصة ( انطلاقاً من المباول العمومية في الكراجات وصولاً إلى المرافئ والمطارات ), استجلاب الاحتلال وتشريعه ولعب دور دولة الانتداب ، الاستثمار بالارتزاق والحركات الجهادية، فرض الأتاوات والتشليح ، وتحويل البلاد لمزرعة كبتاغون على قرار نموذج الاستثمار الأمريكي في أفغانستان وتحويلها لدولة الأفيون
قام بإعادة إنتاج الطبقة البرجوازية على أساس نوع الاستثمار الجديد فاقتصاد الحرب أنتج طبقة برجوازية جديدة ، برجوازيات الحرب (أمراء الحرب، تجار الدم والسلاح، تجار المخدرات ،كلاب المخابرات)
أدت سياسات النهب المستعر لنظام الطغمة ومحاولاته العبثية بحماية دولته الطبقية وطبقته الى انهيار الطبقة التي كانت تعيش وهم أنها “الطبقة المتوسطة” مما زاد من حدة التناقض الطبقي وتراكمت الثروة في أيدي 1% من اللصوص على حساب ال99% – 90% منهم تحت خط الفقر
التناقض الذي وقعت فيه الدولة الطبقية في سورية حاليا – بعد فشلها باستعادة دورها الوظيفي (تلطيف الصراع الطبقي) أنها لم تعد تستطيع البقاء إلا من خلال زيادة معدل النهب وإجراءات رفع ما تبقى من الدعم وبالتالي زيادة تأجيج الصراع الطبقي
3/ ما العمل ، العصيان والإضراب كأداة مقاومة ثورية
هذا النظام المرتهن يعتمد اليوم على طبقة برجوازية من أمراء الحرب وتجار الدم وكلاب المخابرات يمتصون دماء جميع السوريين ويعتاشون على جوعهم وموتهم.
لم يعد لدى النظام ما يسرقه أو يبيعه، ولم يعد لدى الشارع ما يخشى منه أو عليه.
لم يعد لدى النظام أدوات للبقاء (الربح) سوى بامتصاص ما تبق من دم السوريين، نظام الدم يقتات على جوع السوريين، و سيحاول امتصاص دماء السوريين إلى آخر قطرة, وسرقة قوة عملهم وانتاجهم حتى آخر حبة قمح في أراضيهم وآخر ليرة في جيابهم المثقوبة
اتخذ قراره مسبقاً بحرق البلاد وبيعها حطباً
الآن وأكثر من أي وقت مضى أصبحنا على مفترق طرق حقيقي وفي ذروة استعصاء التناقض الطبقي, إما أن نبقى في الجحيم الذي أوصلتنا إليه الدولة الطبقية أو نخرج من هذا الجحيم ونترك فيه قيودنا وتلك الدولة
“لم يعد لدى السوريون ما يخسرونه إلا قيودهم”
تخوض الطبقة الحاكمة ودولتها صراعهم معنا وهم مدركون جيداً إما نحن أو هم فالبلاد لم تعد تتسع للناهبين والمنهوبين معاً
نعم ينقصنا التنظيم الثوري ولكن نمتلك الحاجة والغضب والتجربة الثورية ومستوى عالي من الوعي الطبقي, يدفعنا بشكل مركز نحو الانتظام في صفوف الحزب الثوري الجذري الضامن الوحيد لكي لا يسهل ابتلاع الممارسات الثورية العفوية بل يصهرها في صيرورة ثورية واحدة.
وهم العجز هو أهم أسلحتهم ضددنا, أقنعنا فيه اليسار الوهمي قبل اليمين , الطبقة العاملة في سورية ليست قاصراً وليست عاجزة وما بين الانتفاضة الثورية الأولى والمقبلة وما يليها إرادة متفائلة بقدرة الجماهير المنظمة على تحقيق تغغيرات عميقة في بنية المجتمع حتى سحق النظام الرأسمالي القائم على المنافسة والاستغلال
الاضراب عن العمل في القطاع العام والخاص هو مقاومة ثورية للحرب الاقتصادية الني تشنها الدولة الطبقية وطبقتها علينا
المقاطعة والامتناع عن دفع أية غرامات أو فواتر أو أتاوات لصالح الدولة أو أي شركة خاصة
ثورتك تبدأ بالمقاومة الاقتصادية, امنعهم من أن ينهبوك
أجر عملك لا يغطي تكاليف مواصلاتك للذهاب الى العمل, إنه أقذر أنواع الاستعباد
اذا لم يكن اضرابنا بقرار منا فالنظام سيجبرنا عليه كأمر واقع، فوحش البطالة يكبر كلما نهب النظام أكثر تبدأ الانتفاضة بالعصيان و يبدأ العصيان بالمقاطعة والاضراب.
فرات السياب _ الخط الأمامي