
أعلن التلفزيون الوطني للنيجر في يوم 26 من شهر تموز/يوليو الماضي أن الحرس الرئاسي يحتجز الرئيس محمد بازوم، في البداية دعا الجيش الحرس الرئاسي إلى التراجع وإطلاق سراح الرئيس بازوم، قبل أن يدعم الجيش في اليوم التالي انقلاب الحرس الرئاسي مُعللاً ذلك بتجنب “المواجهة المُميتة” بين القوى المُختلفة، وتم تفريق بعض المظاهرات العفوية التي خرجت لمعارضة الانقلاب، وأعلن الحرس الرئاسي في النيجر ان تحركهم بسبب تردي الأوضاع الأمنية وسوء الإدارة الاقتصادية من جانب نظام الرئيس بازوم.
وحذر قادة الإنقلاب في بيان لهم من مغبّة أي تدخل عسكري خارجي، وتعهدوا بإحترام كافة الإتفاقيات والمعاهدات المبرمة مع الخارج، وأعلن المجلس الوطني لحماية البلاد المُشكل من قادة الإنقلاب بقيادة عبد الرحمن تشياني، تعليق العمل بدستور 2010 وإستلامه للمهام التشريعية والتنفيذية إلى حين العودة إلى النظام الدستوري، وإغلاق الحدود البرية والجوية، وأعلن الإنقلاب تعليق جميع أنشطة الأحزاب السياسية حتى إشعار آخر.
قُوبل الإنقلاب بمعارضة شديدة وعقوبات من الاتحاد الإفريقي ومنظمة التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا “الإيكواس” وأمريكا والإتحاد الأوروبي وفرنسا التي لها مصالح ونفوذ خاص بالنيجر، وطالب المجتمع الدولي ومجلس الأمن بتوفير الحماية للرئيس بازوم المُنتخب والعودة إلى النظام الدستوري، وأمهل الإتحاد الإفريقي قادة الإنقلاب 15 يوم للتراجع وإطلاق سراح الرئيس بازوم، وفي إجتماعها لمناقشة الأوضاع في النيجر أمهلت مجموعة “الإكواس” قادة الإنقلاب أسبوعاُ للتراجع وإلا فإن التدخل العسكري في النيجر من جانب دول المجموعة مطروحاً على الطاولة لاستعادة الديمقراطية، ولكن الموقف الموحد لمجموعة الإيكواس لم يدم طويلاُ، حيث أعلنت منذ أيام غينيا كوناكري معارضتها للتدخل العسكري في النيجر، بالتزامن مع إعلان السلطات العسكرية الانتقالية في مالي وبوركينا فاسو في بيان مُشترك أن أي عدوان على النيجر هو عدوان عليهما ويعد بمثابة إعلان حرب، وأن التدخل العسكري في النيجر سيؤدي إلى تفكُك مجموعة إيكواس.
لا تزال الأوضاع في النيجر معرضة للتطور، فمنطقة غرب إفريقيا هي منطقة صراع على النفوذ بين فرنسا وروسيا، فانقلاب النيجر ليس مجرد انقلاب عسكري بمعزل عن هذا الصراع ولم تكن المظاهرات التي خرجت في النيجر مؤيدة للانقلاب، والتي هاجمت مقر السفارة الفرنسية وأحرقت العلم الفرنسي ورفعت العلم الروسي إلا مشاهد كربونية لما حدث في دول إفريقية مجاورة للنيجر، بل وفي النيجر نفسها حيث تمت الإطاحة برئيس النيجر السابق بانقلاب عسكري عام 2010 عندما أراد مراجعة عقود اليورانيوم مع فرنسا، فالنفوذ الفرنسي في النيجر والساحل الإفريقي عامةً أصبح على المحك، فالنيجر آخر حلفاء الدول الغربية وفرنسا فى منطقة الساحل الإفريقي، وإذا ما تمكن قادة الإنقلاب من السيطرة على مقاليد الحكم سينهي ذلك عملياً نفوذ فرنسا صاحبة الإرث الإستعماري الطويل والهيمنة الثقافية التي جعلت اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للنيجر، والتي لاتزال تقاسم ثروات الدول الإفريقية مع الدول الكبرى، فالنيجر هي كنز الذهب واليورانيوم بالنسبة إليها، حيث تمتلك فرنسا 65 مفاعل نووي تحتاج هذه المفاعلات إلى اليورانيوم، وعبر شركة “أورانو” التي تمتلك فرنسا منها 45% يتم استخراج اليورانيوم من النيجر لتشغيل المفاعلات النووية والكهرباء في فرنسا.
على الرغم من أن النيجر هي أرض الذهب واليورانيوم والنفط، إلا أن أكثر من نصف سكان النيجر يعانون من الفقر ومن الانقلابات العسكرية، فمنذ الاستقلال الشكلي للنيجر عن فرنسا عام 1960 شهدت النيجر 4 انقلابات عسكرية بالإضافة إلى العديد من الإنقلابات الفاشلة، ولم تكن هذه الانقلابات العسكرية يوما إلا عبارة عن عساكر في لعبة الشطرنج على النفوذ بين الدول الكبرى، فالرئيس المحتجز الآن محمد بازوم هو رجل فرنسا والغرب في النيجر، والحديث عن الديمقراطية من جانب الدول الغربية في الحقيقة لا يتجاوز إلا الدفاع عن التصويت الشكلي لإختيار القائم بأعمال رعاية المصالح الغربية في النيجر، كما أن الإنقلاب في النيجر هو آخر عسكري في اللعبة الروسية لإنهاء الوجود الفرنسي والغربي في منطقة الساحل الإفريقي، ولم تكن شحنات القمح الروسي المجانية الذي تعهد بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلي بعض الدول الإفريقية خاصة دول الغرب الإفريقي خلال القمة الروسية الافريقية إلا رشوة سياسية لقادة الإنقلاب حلفاء روسيا للاستيلاء على موارد القارة الأفريقية، ولم يكن تصريح بريجوجين قائد قوات فاجنر بأن ما حدث في النيجر هو كفاح مسلح ضد المستعمرين، إلا إعلاناً عن جاهزية مجموعة فاجنر لإستلام القواعد الأمريكية والفرنسية في النيجر، وفي لعبة الشطرنج هذه يظل شعب النيجر تحت وطأة الفقر والجماعات الإرهابية على الحدود ونهب موارده الطبيعية، فلم يتم تحرير إفريقيا بعد من الإستعمار.
بقلم: أحمد السيد _ الاشتراكيون الثوريون