
ليس ثمّة تحسّن في حياة السوريين ولا حتّى بشكلٍ جزئيّ، بعد الذي جرى من تطبيع للأنظمة العربية مع نظام الطغمة، بل _ أكثر من ذلك _ الذي حدث هو العكس تماماً، تدهورت أحوالهم أكثر فأكثر، وراح الحديث يتردّد صارخاً بخصوص خطر المجاعة التي توشك أن تصيبهم، ليس في إعلام الجهات المختلفة مع النظام فحسب، بل حتّى في وسائل الإعلام التابعة للنظام.
ما من تحسّن في حياة السوريين، رغم إعلان الاتحاد الأوروبي تجديد تعليق عقوباته لمدة ستة أشهر أخرى، هذا التعليق الأوربي والأمريكي جرى إعلانه بعد كارثة الزلزال في شباط الماضي.
ما من تحسّن في حياة السوريين، رغم تزايد مشاريع التعافي المبكر في مناطق النظام، بل إنّ أوضاع الشعب السوري تزداد سوءاً يوماً بعد آخر.
تسوء بشكل مريع أحوال أكثريّة الشعب السوري رغم تدفّق المساعدات الإنسانية، التي لا تجد طريقها إلى المحتاجين الحقيقيّين إليها، وإنّما يعثر عليها السوريون _ وهذا مدعاة للسخرية _ في الأسواق بأسعار باهظة.
لم تتحسن أحوال السوريين، على الرغم أن النّظام لا زال يصنّع الكبتاغون ويرعى تجارته، وتقدر عائداته للطغمة الحاكمة وأمراء الحرب بنحو عشر مليارات من الدولارات سنوياً.
لم ولن تتحسن أحوال السوريين وهم يتعرضون لنهب آخر ما تبقّى من رمق لديهم من قبل طغمة حاكمة جشعة وفاجرة، فالمعاشات والأجور أصبحت لا تكفي أياماً معدودة للعيش، وقيمة الليرة السورية آخذة بالتدهور باطّراد بل وبسرعة مريعة، الأمر يدفع بملايين السوريين إلى فقر مدقع. ليكون عدم حصول مجاعات تصيبهم أمرٌ أشبه بمعجزة، عدا عن أنّه يعكس طاقة من الصبر لا حدود لها لدى السوريّين ، ربّما بفضل آليات المقايضة والتعاون فيما بينهم للقبض على جمرة الحياة.
وإن كانت أحوال السوريين هي الأسوأ في مناطق النظام، لكنها ليست أحسن حالاً بكثير في بقية المناطق، طالما سادت البطالة والتضخم وارتفاع الأسعار، مقابل أجور ومعاشات تتقلص يوماً بعد يوم.
هذا، على الاقل، ما يستدعي من الجماهير أن تنظّم نفسها مطالبة بربط الأجور بالأسعار في كل المناطق.
لن تتحسن أحوال السوريين إطلاقاً، طالما بقي نظام الطغمة يمعن في مركزة الرساميل والعقارات والثروات بيد أقلية طبقية حاكمة ومالكة، بكل الوسائل وعلى وجه الخصوص الطريقة الترهيبيّة منها، نظام الطغمة الذي يقوم ببيع الثروات، والتخلّي عن السيادة الوطنيّة بمعناها غير المعطّل ولا المجيّر لقمع الحرّيّات وكمّ الأفواه فحسب، التخلّي عن السيادة الوطنيّة لهذه الدولة أو تلك، نظام الطغمة الذي يقوم بخصخصة ما تبقّى من القطاع العام.
لن تتحسن أحوال السوريين، بينما الملايين منهم لاجئين مشرّدين بلا مأوى ولا مستقبل. ولن تتحسن أحوال فقراء الفلاحين الذين يتعرّضون لسلب أراضيهم، التي استفادوا منها بفضل الإصلاح الزراعي، على أيدي كبار الملاكين المقربين من السلطة.
وبالتأكيد لن تتحسن أحوال السوريين، إذا راهنوا على الوقت أو على خديعة أنّ تدخّلات الدول المتصارعة في بلدنا قد تأتي بالحل لبلادنا، في حين أنّها لم تفعل شيئاً يصبّ في مصلحة الشعب السوري، لم تفعل شيئاً سوى الصراع فيما بينها من أجل نفوذها ومصالحها على حساب دماء السوريين ومصالحهم.
كما أنّنا لا نعتقد أنّ أحوال السوريّين سوف تتحسّن بفضل المعارضة الرسميّة، التي نخرها الفساد والانتهازية وارتبطاتها بالدول المتدخلة والمحتلة لبلادنا، والتي لا ترى مصالح السوريين إلّا من خلال منظور مصالحها الأنانية الضيقة.
لن تتحسن أحوال السوريين لينفتح أمامهم أفق مستقبل أفضل، إلّا إذا وحّدت الجماهير السورية الواعية والمنظمة سياق نضالها، بصرف النظر عن انتمائها القوميّ أو الدينيّ أو الجنسانيّ أو الإثنيّ. وبناء قيادة سياسية ثورية متمرسة ومجربة. حينئذ سيفتح شعبنا صفحة جديدة من التاريخ للتحرّر الشامل .
في هذا السياق، لا بدّ من نهوض النضالات المباشرة في كل القضايا والصعد، ومركزاتها وتوحيدها، ومراكمة خبرات الكفاح الجماهيري.
ما تزال للجماهير السورية طاقات عظيمة، وخبرات كبيرة من السنوات الماضية، ولها نقاط ارتكاز لكفاحها في شمال شرق البلاد، تسمح لها بإعادة تنظيم نفسها، ونهوض نضالاتها.
لتعود في الأذهان صرخة الثائرة البارزة روزا لوكسمبورغ:
“قالوا لقد هزمت وتم إركاعها، ولن تنهض بعد الآن. ولكن هاهي تنهض من جديد وترفع قبضتها عاليا لتحطم نظام الاستبداد والاستغلال، إنّها: الثورة! “
روزا لوكسمبورغ
تيار اليسار الثوري في سوريا
تموز/يوليو 2023