
انتقل التصعيد الروسي في شمال غرب سورية إلى مستويات أكثر خطورة، مع سقوط ضحايا ومصابين من المدنيين الذين يخشون تقدماً جديداً لقوات النظام السوري على الأرض، من شأنه خلط الأوراق في بقعة جغرافية ضيقة تضم آلاف المدنيين، جلّهم نازحون، و بينما أدانت مسد والعديد من القوى الوطنية والديمقراطية الهجوم، لم يصدر أي بيان رسمي عن الإئتلاف، مما يذكر بسيناروهات تسليم المناطق الواحدة تلو الأخرى من درعا إلى حلب.
وفي التفاصيل قالت مصادر ميدانية، إن الطيران الروسي نفّذ عدداً من الغارات الجوية على سوق شعبي للخضار في ريف مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، صباح يوم الأحد 25.6.2023 ما أدى إلى مقتل 7 مدنيين في حصيلة غير نهائية، إضافة إلى إصابة أكثر من 20 آخرين.
وأضافت المصادر أن قصفاً مماثلاً استهدف أطراف مدينة إدلب الغربية، حيث خلّف قتيلين على الأقل فضلاً عن إصابة آخرين بجروح بعضها خطيرة جراء استهداف أحد الأبنية السكنية في المنطقة.
ولاحقاً، أكدت مصادر المعارضة ارتفاع الحصيلة الى 11 قتيلاً.
بدوره، قال فريق “الدفاع المدني” (الخوذ البيضاء) إن الحصيلة الأولية للقصف الذي استهدف سوقاً للخضار والفواكه على أطراف مدينة جسر الشغور غرب مدينة إدلب، هي 5 قتلى وأكثر من 20 جريحاً، لافتاً إلى أن حصيلة المجزرة مرشحة للزيادة بسبب وجود إصابات حرجة.
وبثّ ناشطون صوراً ومقاطع مصورة تظهر لحظة استهداف الطيران الروسي للسوق الشعبي في منطقة جسور، كما ناشدت المشافي السوريين في المنطقة للتوجه إليها والتبرع بالدم للمصابين.
وترافق القصف الروسي بقصف مدفعي وصاروخي مكثف من قبل قوات النظام استهدف عدداً من المناطق الواقعة في محيط خطوط التماس مع الفصائل المعارضة في أرياف إدلب الجنوبي وحماة وحلب الغربيين.
الهجوم الأكثر دموية في 2023
من جانبه، أشار “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى مقتل 3 عسكريين لم يحدد هويتهم جراء القصف الذي استهدف منطقة جسر الشغور، بينما لفت إلى مقتل 3 مقاتلين من “الحزب الإسلامي التركستاني” نتيجة القصف الذي استهدف أحد مواقعهم على أطراف مدينة إدلب. وأفاد المرصد بأن هجوم الأحد هو الأكثر دموية هذا العام.
وفي السياق، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ الهجمات الجوية التي استهدفت مناطق مدنية بريف إدلب صباح أمس الأحد، وراح ضحيتها عدد كبير من المدنيين يمكن أن ترقى إلى جريمة حرب. وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ هجمات أمس تأتي ضمن تصعيد عسكري كبير تشهده المنطقة منذ نحو أسبوع، إذ وثّق منذ 18 يونيو، أكثر من 12 هجوماً جوياً ومدفعياً على مناطق بإدلب وأريافها، إلى جانب ريف حلب الغربي، ما أسفر عن مقتل 6 مدنيين على الأقل، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات.
ووسع الجانب الروسي نطاق قصفه الجوي خلال الأيام الماضية، وقصف السبت بصواريخ شديدة الانفجار أبنية سكنية في المزارع المحيطة بمدينة إدلب، ما أسفر عن مقتل مدنيين اثنين في حصيلة أولية، وإصابة آخرين بجروح، وفق مصادر محلية. وشنّ الطيران الحربي الروسي، أمس، غارة جوية استهدفت أطراف قرية بينين، بمنطقة جبل الزاوية، في ريف إدلب الجنوبي، كما نفّذ غارتين جويتين على منطقة جبل الأربعين، ما خلّف أضراراً في الممتلكات.
ولم يتوقف التصعيد الروسي ضد الشمال الغربي من سورية طيلة نحو أسبوع، وأدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين. ويتزامن هذا التصعيد مع تحشيد لقوات النظام على جبهات القتال ونقاط التماس مع فصائل المعارضة السورية، ما يشير إلى أن الشمال السوري مقبل على تصعيد ربما لن يتوقف عند القصف الجوي.
تصعيد بعد جولة أستانة
وجاء التصعيد الروسي بعد انتهاء الجولة العشرين من مسار أستانة، التي عقدت في 20 و21 من شهر يونيو/ حزيران الحالي، ما يؤكد أن هذه الجولة شابها الكثير من الخلافات بين الجانبين الروسي والتركي حول مجمل الأوضاع في سورية. ورغم أن الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار (تركيا، روسيا، إيران) أعلن بعد انتهاء الجولة الماضية تثبيت التهدئة في شمال غربي سورية، فإن القصف الروسي المتلاحق يؤكد أن هذه التهدئة مهددة بالانهيار، ما يفتح الباب أمام تصعيد برّي من قبل قوات النظام التي لا تتحرك إلا تحت غطاء ناري روسي.
وأكدت مصادر محلية لـ”الخط الأمامي”، أن هناك قلقاً يسود بين ملايين السوريين القاطنين في شمال غربي سورية من تصعيد يفضي إلى تحرك لقوات النظام للسيطرة على أماكن جديدة في ريف إدلب، ما يعني خلق موجات نزوح.
وكانت مصادر إعلامية تابعة للنظام أكدت خلال الأيام القليلة الماضية أن النظام بدأ بحشد قوات له في الشمال السوري، بعد هدوء نسبي على جبهات القتال منذ مارس/آذار 2020 بعد توقيع اتفاق موسكو بين الروس والأتراك، والذي لا يزال يحكم الأوضاع العسكرية والميدانية في شمال غربي سورية.
ويضع النظام السوري على رأس أولوياته استعادة السيطرة على الطريق الدولي “أم 4” الذي يربط الساحل السوري غربي البلاد مع مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري. ولكن هذه الاستعادة تعني القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد فصائل المعارضة السورية التي لا تزال تحتفظ بمدن وبلدات عدة جنوب الطريق، لعل أبرزها مدينة أريحا المكتظة بالسكان.
ويبدو أن الجانبين التركي والروسي يحاولان حتى اللحظة تجنّب مواجهة بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية للسيطرة على الطريق المذكور والذي يبدأ من مدينة اللاذقية، كبرى مدن الساحل السوري، ثم يخترق ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وصولاً إلى مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ثم يمر بقرية فريكة قاطعاً ريف إدلب الجنوبي، حيث يمر عبر مدينة أريحا.
وتسيطر فصائل المعارضة السورية على القطاع الأكبر من هذا الطريق الحيوي. وحاولت موسكو وأنقرة استعادة الحركة على الطريق في عام 2020 وسيّرتا دوريات مشتركة، إلا أن الرفض الشعبي لأي وجود روسي في مناطق سيطرة المعارضة السورية حال دون إتمام المحاولات الروسية والتركية. وتحتفظ تركيا بوجود عسكري كبير في ريف إدلب، حيث ينتشر آلاف الجنود في قواعد ونقاط ارتكاز ومراقبة.
مسد يدين الاستهداف ويدعو إلى حماية المدنيين
أدان مجلس سوريا الديمقراطية استهداف السوق الشعبي في إدلب، ودعا الفاعلين الدوليين إلى إدانة استمرار أعمال العنف وحماية المدنيين.
وأعرب مجلس سوريا الديمقراطية في بيانه عن إدانته واستنكاره الشديدين للهجوم الذي استهدف، صبيحة اليوم، سوقاً شعبياً في مدينة جسر الشغور شمال البلاد، وأدى إلى سقوط قتلى وجرحى ومتضررين.
وأضاف “ونحن في المجلس إذ نستنكر هذه النزعة الجامحة لارتكاب الأعمال الدموية وانتهاج العنف، نهيب بمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا والفاعلين الدوليين لإدانة استمرار هذه الأعمال والعمل على حماية المدنيين والانخراط أكثر في إيجاد حلّ للمقتلة السورية”.
وجاء في البيان أيضاً: “الوقت الذي يشهد الملف السوري حراكاً سياسياً على الصعيدين المحلي والعربي لجهة إيجاد حلول سلمية للأزمة السورية التي تجاوزت العقد بعامين، يباغتنا جنوح بعض السوريين لاستخدام العنف وبالتالي العنف المضاد الذي يعيدنا إلى المربع الأول ويترك الجرح السوري دونما ضماد”.
ودعا البيان “الفرقاء السوريين إلى قراءة الواقع السوري انطلاقاً من الحس والانتماء الوطني، والعمل الجاد من أجل إيجاد مخرج حقيقي للأزمة وتداعياتها المرهقة لكاهل المواطن السوري داخل البلاد وخارجها.
وألا تغيب عن أذهاننا مشاهد غرق السوريين في البحار وتكبدهم معاناة النزوح، وألم التهجير وقسوة اللجوء وظلمة السجون وعذابات المخيمات، وأن تستجيب المعارضة السورية التي تمتلك ناصية القرار والمكلّفة بالتفاوض، الالتفاف حول مشروعٍ وطني شامل يجمعنا وينتشل البلاد من حالة التقسيم والانحدار المستمر.
لابد من موقف يحصّن البلاد من العنف، ويوقف مسيرة الدماء، ويجمع السوريين على طريق الإنقاذ”.
كما جدد مجلس سوريا الديمقراطية، دعوته “المفتوحة للحوار ويدنا الممدودة للسلام لكافة الفرقاء السوريين، والعمل سوية لإيجاد مقاربة وطنية تنسجم مع القرار الأممي 2254، والشروع في تحقيق تطلعات الشعب السوري التّواق للحرية والعدالة والمساواة”.
الخط الأمامي