
افتتاحية العدد 23 من جريدة الخط الأمامي شباط 2015
الأرشيف 2015 / 1 / 25
تقرع وسائل الإعلام أجراسها عن اجتماعات للمعارضة في القاهرة، وأخرى في إسطنبول، وثالثة في موسكو. وتخرج تصريحات متناقضة ومبهمة عنها وعن مشاركتها باللقاء «الحواري» الذي تزمع الحكومة الروسية عقده في نهاية الشهر الأول من هذا العام. لقاء يضم وفدًا من النظام الحاكم وشخصيات «معارضة»، ومن بين الأخيرة شخصيات معروف ولائها للنظام أو انبطاحها المديد له.
يحوز هذا المؤتمر على رضا الولايات المتحدة، وفق تصريحات وزير خارجيتها. وفي حين أن النظام أعلن بوضوح موافقته ومشاركته في هذا الاجتماع، فإن مجرد الإعلان عن موعد عقده وتوجيه الدعوات «الشخصية» للمعارضين أدى الى ارتباك هذه الأوساط المعارضة، التي لم تقدم للثورة شيئًا سوى التشويش وكانت عبئًا وخلَّفت خيبات عديدة، والعديد منها رهين لحكومات ودول إقليمية لا يعنيها مصالح الشعب السوري الذي ثار على نظام الطغمة، ولم تملك هذه المعارضة المرتهنة والفاسدة -منذ تأسيسها- زمام نفسها لكي تحدد موقفًا صريحًا ومستقلًا من كل ما يجري ويطرح من حلول سياسية للوضع السوري.
ما هو مؤكد، إن أي “حل سياسي” في سوريا، تطرحه القوى الدولية والإقليمية، لم يعد -وهو بالأساس لم يكن يسعى لذلك- يشمل إزالة النظام الحاكم أو رأسه، بل إشراك جزء من المعارضة في السلطة لكي تقوم جميعها (أي النظام والمعارضة) بمحاربة داعش والإرهاب.
إذن، يوجد شبه توافق إقليمي ودولي على ذلك، وثمة “طبخة”، لحل كهذا، تقوم هذه القوى على إعدادها على نارٍ هادئة، ولا دور يذكر في إظهار هذا الحل للقوى المعارضة المرتهنة، التي أضجت آذاننا بخطابها الطائفي والثورجي اللامسؤول في السنوات الماضية، سوى دور الكومبارس والمأجور البائس الذي يرضخ لأوامر أسياده. هذه المعارضة المرتهنة تاجرت واستثمرت الحراك الثوري لمصالحها الخاصة ومصالح راعيها من الحكومات الإقليمية المعادية للثورة الشعبية، لتعود اليوم مع خفوت الحراك الثوري وانحساره الكبير، لتنساق لمطالب أسيادها، وللحفاظ على مكاسبها الأنانية الخاصة، وتندرج في سياق الانخراط في سياق حل «سياسي» يدمجها مع النظام نفسه الذي كانت تدعي عداءها له.
لكن اللحظة الراهنة للثورة السورية، موازين القوى الراهن، هي التي تسمح بذلك. إذ لم نشهد سقوط النظام بعد أربع سنوات من الثورة فحسب، بل تعززت قدراته وتقدم في العديد من المناطق. كما أن الخراب الاجتماعي الذي أدت إليه وحشية النظام من تدمير بلدات ومدن وتهجير لنصف سكان سوريا، الذين أصبحوا مشردين داخل البلاد وخارجها. من طريق سياسة الأرض المحروقة التي مارسها ومستتبعاتها. إذن، هذا الخراب الاجتماعي أدى، من جهة أخرى، إلى إضعاف الحراك الشعبي وإنهاكه، وإلى فتح المجال لتوسع القوى الرجعية والفاشية مثل داعش والنصرة وأحرار الشام، وهي التي حازت على دعم إقليمي رجعي هائل. هذه القوى الرجعية المعادية للثورة استطاعت فرض هيمنتها على أغلب المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وعلى حساب الجيش الحر والفصائل المقاتلة للمقاومة الشعبية. في حين أن النظام أخمد إلى حد كبير أي حراك شعبي مناهض له في مناطق سيطرته. يضاف إلى ذلك سياسة الإفقار والتجويع التي أنهكت غالبية الشعب السوري أينما كان.
إذن. يأتي ما يسمى بالحل السياسي الذي يعيد إنتاج النظام، على أرضية خفوت وتراجع الثورة الشعبية الكبير، رغم بقاء بؤر ثورية عديدة ما تزال حية للحراك الشعبي هنا وهناك؛ هذا التراجع والخفوت للحراك الثوري، في اللحظة الراهنة من الثورة، يقارب الهزيمة.
انطلاقًا من ذلك. يبدو لنا أن من يتوهم إمكانية خروج حل يتوافق مع مطالب الشعب السوري في ثورته ومع مصالحه، عبر هذه الاجتماعات واللقاءات بين «المعارضة» والنظام، بدءًا من جنيف ومرورًا بالقاهرة وموسكو، إنما يعمل على إعادة إنتاج النظام نفسه، بالسياسات نفسها. ولذلك ليس مفيدًا، بل سيكون خطأً سياسيًا قاتلًا للقوى الثورية التورط في هذه الألاعيب السياسية التي استنقعت المعارضة البرجوازية فيها وتديرها القوى الدولية والاقليمية. تلك التي تدعم النظام أو تلك التي ادعت صداقتها للشعب السوري، التي ثبت بالتجربة المريرة أنها جميعها معادية لانتصار ثورة شعبنا، بوصفها ثورة شعبية وطنية كان سيشكل انتصارها أنموذجًا ومثالًا ملهمًا لشعوب هذه الحكومات نفسها، وسعت كلها -رغم تنافسها وتناقض مصالحها أحيانًا- على حرفها أو إجهاضها بالوسائل كافة.
إن ما يجب التركيز عليه في هذه الظروف. هو رفع المعاناة عن غالبية جماهير شعبنا لكي تستطيع التقاط أنفاسها وتستعيد قدراتها على متابعة كفاحها من أجل تحررها. وفي المقدمة من ذلك، عودة اللاجئين والمهجرين السريعة الى ديارهم، ورفع الحصار والتجويع عن المناطق الثائرة، ووقف القصف والدمار عن البلدات والمدن، وإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين والمعتقلات. وفي الوقت عينه، فإن العمل والدعوة إلى أقصى ما يمكن من المكتسبات الديمقراطية، بمعنى الضغط من أجل بناء سوريا ديمقراطية تعددية وعلمانية. يكون مدخلها -كما دعا إليه تيار اليسار الثوري في برنامجه الانتقالي الصادر في ت1 2011- الدعوة إلى جمعية تأسيسية تقوم على الاقتراع السري الحر والمباشر وعلى أساس النسبية، وسوريا كدائرة واحدة.
من أجل ذلك، ولأن كائنًا ما سيكون عليه «الحل السياسي»، إن كان بالتحاق المعارضة البورجوازية بالنظام، أم بتغيير فوقي فيه، أو غير ذلك من الاحتمالات الممكنة. فإن الأسباب العميقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما الأخيرتين، التي كانت وتبقى الدوافع الأساسية للثورات الجارية في السنوات الأربع في منطقتنا، ستبقى على جدول أعمال كفاح الجماهير الشعبية، لأن ما يجري في منطقتنا سيرورة ثورية لن نرى نهاية مآلاتها إلا من طريق الاستجابة وتحقيق هذه الدوافع الاقتصادية والاجتماعية.
بما يعني أن ثمة موجات ثورية أخرى قادمة قريبًا، علينا أن نعمل للاستعداد لها، مستفيدين من تجاربنا، بإخفاقاتنا وهزائمنا وكذلك بانتصاراتنا مهما صغرت. وبالعمل على تنظيم قدراتنا من الآن من أجل انتصارها. لصالح الغالبية العظمى من المواطنين/ات، أي لصالح الطبقات الشعبية.
افتتاحية العدد 23 من جريدة الخط الأمامي شباط 2015
تقرع وسائل الإعلام أجراسها عن اجتماعات للمعارضة في القاهرة، وأخرى في إسطنبول، وثالثة في موسكو. وتخرج تصريحات متناقضة ومبهمة عنها وعن مشاركتها باللقاء «الحواري» الذي تزمع الحكومة الروسية عقده في نهاية الشهر الأول من هذا العام. لقاء يضم وفدًا من النظام الحاكم وشخصيات «معارضة»، ومن بين الأخيرة شخصيات معروف ولائها للنظام أو انبطاحها المديد له.
يحوز هذا المؤتمر على رضا الولايات المتحدة، وفق تصريحات وزير خارجيتها. وفي حين أن النظام أعلن بوضوح موافقته ومشاركته في هذا الاجتماع، فإن مجرد الإعلان عن موعد عقده وتوجيه الدعوات «الشخصية» للمعارضين أدى الى ارتباك هذه الأوساط المعارضة، التي لم تقدم للثورة شيئًا سوى التشويش وكانت عبئًا وخلَّفت خيبات عديدة، والعديد منها رهين لحكومات ودول إقليمية لا يعنيها مصالح الشعب السوري الذي ثار على نظام الطغمة، ولم تملك هذه المعارضة المرتهنة والفاسدة -منذ تأسيسها- زمام نفسها لكي تحدد موقفًا صريحًا ومستقلًا من كل ما يجري ويطرح من حلول سياسية للوضع السوري.
ما هو مؤكد، إن أي “حل سياسي” في سوريا، تطرحه القوى الدولية والإقليمية، لم يعد -وهو بالأساس لم يكن يسعى لذلك- يشمل إزالة النظام الحاكم أو رأسه، بل إشراك جزء من المعارضة في السلطة لكي تقوم جميعها (أي النظام والمعارضة) بمحاربة داعش والإرهاب.
إذن، يوجد شبه توافق إقليمي ودولي على ذلك، وثمة “طبخة”، لحل كهذا، تقوم هذه القوى على إعدادها على نارٍ هادئة، ولا دور يذكر في إظهار هذا الحل للقوى المعارضة المرتهنة، التي أضجت آذاننا بخطابها الطائفي والثورجي اللامسؤول في السنوات الماضية، سوى دور الكومبارس والمأجور البائس الذي يرضخ لأوامر أسياده. هذه المعارضة المرتهنة تاجرت واستثمرت الحراك الثوري لمصالحها الخاصة ومصالح راعيها من الحكومات الإقليمية المعادية للثورة الشعبية، لتعود اليوم مع خفوت الحراك الثوري وانحساره الكبير، لتنساق لمطالب أسيادها، وللحفاظ على مكاسبها الأنانية الخاصة، وتندرج في سياق الانخراط في سياق حل «سياسي» يدمجها مع النظام نفسه الذي كانت تدعي عداءها له.
لكن اللحظة الراهنة للثورة السورية، موازين القوى الراهن، هي التي تسمح بذلك. إذ لم نشهد سقوط النظام بعد أربع سنوات من الثورة فحسب، بل تعززت قدراته وتقدم في العديد من المناطق. كما أن الخراب الاجتماعي الذي أدت إليه وحشية النظام من تدمير بلدات ومدن وتهجير لنصف سكان سوريا، الذين أصبحوا مشردين داخل البلاد وخارجها. من طريق سياسة الأرض المحروقة التي مارسها ومستتبعاتها. إذن، هذا الخراب الاجتماعي أدى، من جهة أخرى، إلى إضعاف الحراك الشعبي وإنهاكه، وإلى فتح المجال لتوسع القوى الرجعية والفاشية مثل داعش والنصرة وأحرار الشام، وهي التي حازت على دعم إقليمي رجعي هائل. هذه القوى الرجعية المعادية للثورة استطاعت فرض هيمنتها على أغلب المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وعلى حساب الجيش الحر والفصائل المقاتلة للمقاومة الشعبية. في حين أن النظام أخمد إلى حد كبير أي حراك شعبي مناهض له في مناطق سيطرته. يضاف إلى ذلك سياسة الإفقار والتجويع التي أنهكت غالبية الشعب السوري أينما كان.
إذن. يأتي ما يسمى بالحل السياسي الذي يعيد إنتاج النظام، على أرضية خفوت وتراجع الثورة الشعبية الكبير، رغم بقاء بؤر ثورية عديدة ما تزال حية للحراك الشعبي هنا وهناك؛ هذا التراجع والخفوت للحراك الثوري، في اللحظة الراهنة من الثورة، يقارب الهزيمة.
انطلاقًا من ذلك. يبدو لنا أن من يتوهم إمكانية خروج حل يتوافق مع مطالب الشعب السوري في ثورته ومع مصالحه، عبر هذه الاجتماعات واللقاءات بين «المعارضة» والنظام، بدءًا من جنيف ومرورًا بالقاهرة وموسكو، إنما يعمل على إعادة إنتاج النظام نفسه، بالسياسات نفسها. ولذلك ليس مفيدًا، بل سيكون خطأً سياسيًا قاتلًا للقوى الثورية التورط في هذه الألاعيب السياسية التي استنقعت المعارضة البرجوازية فيها وتديرها القوى الدولية والاقليمية. تلك التي تدعم النظام أو تلك التي ادعت صداقتها للشعب السوري، التي ثبت بالتجربة المريرة أنها جميعها معادية لانتصار ثورة شعبنا، بوصفها ثورة شعبية وطنية كان سيشكل انتصارها أنموذجًا ومثالًا ملهمًا لشعوب هذه الحكومات نفسها، وسعت كلها -رغم تنافسها وتناقض مصالحها أحيانًا- على حرفها أو إجهاضها بالوسائل كافة.
إن ما يجب التركيز عليه في هذه الظروف. هو رفع المعاناة عن غالبية جماهير شعبنا لكي تستطيع التقاط أنفاسها وتستعيد قدراتها على متابعة كفاحها من أجل تحررها. وفي المقدمة من ذلك، عودة اللاجئين والمهجرين السريعة الى ديارهم، ورفع الحصار والتجويع عن المناطق الثائرة، ووقف القصف والدمار عن البلدات والمدن، وإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين والمعتقلات. وفي الوقت عينه، فإن العمل والدعوة إلى أقصى ما يمكن من المكتسبات الديمقراطية، بمعنى الضغط من أجل بناء سوريا ديمقراطية تعددية وعلمانية. يكون مدخلها -كما دعا إليه تيار اليسار الثوري في برنامجه الانتقالي الصادر في ت1 2011- الدعوة إلى جمعية تأسيسية تقوم على الاقتراع السري الحر والمباشر وعلى أساس النسبية، وسوريا كدائرة واحدة.
من أجل ذلك، ولأن كائنًا ما سيكون عليه «الحل السياسي»، إن كان بالتحاق المعارضة البورجوازية بالنظام، أم بتغيير فوقي فيه، أو غير ذلك من الاحتمالات الممكنة. فإن الأسباب العميقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما الأخيرتين، التي كانت وتبقى الدوافع الأساسية للثورات الجارية في السنوات الأربع في منطقتنا، ستبقى على جدول أعمال كفاح الجماهير الشعبية، لأن ما يجري في منطقتنا سيرورة ثورية لن نرى نهاية مآلاتها إلا من طريق الاستجابة وتحقيق هذه الدوافع الاقتصادية والاجتماعية.
بما يعني أن ثمة موجات ثورية أخرى قادمة قريبًا، علينا أن نعمل للاستعداد لها، مستفيدين من تجاربنا، بإخفاقاتنا وهزائمنا وكذلك بانتصاراتنا مهما صغرت. وبالعمل على تنظيم قدراتنا من الآن من أجل انتصارها. لصالح الغالبية العظمى من المواطنين/ات، أي لصالح الطبقات الشعبية.
افتتاحية العدد 23 من جريدة الخط الأمامي شباط 2015