
“وهكذا فان الاقتصاد السياسي- رغم مظهره الدنيوي الشهواني- هو علم أخلاقي حقا، أكثر العلوم أخلاقيـة. فانكار الذات، انكار الحياة وكل الحاجات الانسانية، هو مبدأه الرئيس. وكلما قلّ ما تأكله وتشربه وتقرؤه من كتب، وقلّ ترددك على المسرح وقاعة الرقص والمقصف، وقلّ نصيبك من التفكير والحب والتنظير والغناء والرسم والمبارزة الخ… كلما زاد ما تدخره- كلما زاد كنزك الذي لا تستطيع العتة ولا الغبار أن تلتهمه- زاد رأسمالك. كلما قلّ وجودك زاد ما تملك، كلما قلّ تعبيرك عن حياتك، زادت حياتك المنسلبة- زاد رصيد وجودك المغترب. وكل ما يأخـذه رجل الاقتصاد السياسي منك في الحياة الانسانية يعطيك بدلا منه مالا وثروة. وكل ما لا تستطيع صنعه، يصنعه مالك. انه يستطيع أن يأكل ويشرب ويذهب الى قاعة الرقص والمسرح، يستطيع أن يرحل، وأن يمتلك الفن والتعليم وكنوز الماضي والسلطة السياسية- ان كل هذا يستطيع أن يمتلكه لك- انه يستطيع أن يشترى هذا كله لك، انه العطية الحقيقية، بيـد أنه وهو كذلك، فانه يميـل الى ألا يفعـل شـيئا الا أن يخلق ذاته، يشترى ذاته، لأن كل شيء آخر هو في نهاية الأمر خادم له. فحين أمتلك السيّد فانني أمتلك الخادم، ولست في حاجة الى خادمه، ومن هنا فان كل العواطف وكل فاعلية لا بد أن تغرق في التعطش الى الثروة· وليس للعامل إلا أن يكون له ما يكفيه لكي يعيش، وليس له أن يعيش الا لكي يكون له ما يكفيه”.
كارل ماركس- مخطوطات 1844