
مظاهرة في السويداء _ شبكة الراصد
افتتاحية العدد 67 من جريدة الخط الأمامي, لسان حال تيار اليسار الثوري في سوريا
مضى نحو شهرين على بدء الحراك المدني في السويداء في مواجهة نظام الطغمة، دون أن يصيبه التعب أو ينتابه التراجع، بل تزداد أعداد المشاركين/ات فيه، وينتقل بين مدن عدة في المحافظة. لكن ما يفتقره هذا الحراك -حتى الآن- هو اقتصاره جغرافيًا على منطقة محدودة وعدم تلقيه لتضامن فاعل وملموس في مناطق أخرى من الأرض السورية، سوى عدد من الوقفات التضامنية دعا إليها حزبنا في القامشلي والحسكة.
لا يمكن تفسير ذلك بالخوف والقمع الذي يجثم على كاهل الشعب في أغلب مناطقه. ولا نعتقد أنه يكفي لتبرير ذلك التعب والإنهاك الذي أصاب الجماهير السورية على مدى أكثر من عقد من الموت والحرب والدمار والتهجير. لأن علامات التذمر والاحتجاج واضحة تمامًا وفي أغلب المناطق وبالأخص في مناطق سيطرة النظام، حيث أصبحت الحياة فيها جحيمًا لا يطاق لغالبية السوريين باستثناء الطغمة والبرجوازية المقربة منها.
إذن، من أين يأتي هذا العزوف عن التضامن مع الحراك المدني في السويداء؟
نعتقد أن أهم أسبابه يعود، إضافة إلى بعض ما ذُكِر أعلاه، إلى اضطراب الهياكل السياسية المعارضة، وحتى الموالية أو الرمادية، أمام الانعطافات الحادة التي يشهدها الوضع السوري، إذ تبدو وكأن كل منها مهمومة بترتيب أوضاعها الخاصة، وإعادة تموضعها، على حساب القضايا العامة للشعب السوري. محاولة استغلال التحولات الجارية اما لتحسين أوضاعها أو تخفيف الأضرار عليها.
الانعطاف الأهم في الوضع السوري، هو مسار التطبيع بين النظامين التركي والسوري، ولكل منهما أسبابه ودوافعه. لكن مما لا شك فيه، أن هذا المسار يحقق لكل من الطرفين مصالح مهمة. ورغم ما ورد في الإعلام من أخبار عن تلكؤ هذا المسار، الذي يفترض به أن يتوج بلقاء رأسي النظامين، ولكن كل الشواهد الملموسة، وآخرها إخلاء تركيا لقاعدة لها جنوب طريق M4، وأيضًا إعلان السلطات التركية عن لقاء تقني جديد في وقت قريب يضم مسؤولي الدفاع والمخابرات، إضافة إلى الترحيب بمشاركة إيران في مسار التطبيع المذكور، كل هذا وغيره، يشير إلى أن مسار التطبيع الجاري بينهما قد ترسخ، بل يتقدم بخطى سريعة إلى الأمام، ولا يبدو أنه سيتوقف.
ومن النافل القول، أن تفاهم النظامين التركي والسوري، لا يشكل تهديدًا على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وحدها فحسب، بل إنه يشكل تهديدًا أوسع من ذلك، إنه تهديد موجه ضد الجماهير السورية عامة وقوى التغيير الديمقراطي والاجتماعي في بلادنا، والحريصين على استقلالها وحريتها.
لذا، يقع على عاتق المعارضين اليساريين والديمقراطيين في جميع المناطق السورية توضيح مدى خطورة حالة اللامبالاة تجاه الحراك المدني وإبراز أهمية المشاركة فيه والتضامن معه وتوسيعه، لأن مصالح الطبقات الشعبية واحدة في كل المناطق السورية.
كما أن على هذه القوى بذل كل جهد لرفع سوية الوعي ولتنشيط كل أشكال الاحتجاجات الشعبية المطلبية، التي يجب توحيدها وتنسيقها على الصعيد الوطني، بعيدًا عن الانقسامات الفوقية على أساس عرقي أو مناطقي أو طائفي.
والحال، فإننا نعتقد، إن حماية الحراك المدني “الجنيني”، وتطويره، وتوسيعه على النطاق الوطني، وتوحيد تنظيمه وشعاراته، يشكل المهمة الملحة، في هذه المرحلة، لمواجهة هذه التحديات والمخاطر الكبرى، التي تواجه القوى الجذرية الديمقراطية واليسارية، والإدارة الذاتية. ويقع على عاتقها -وفق ذلك- بناء استراتيجية المقاومة والمواجهة على الأرض وفي الميدان.
تيار اليسار الثوري في سوريا
شباط/فبراير 2023