يفسر رجال الأعمال والحكام الرأسماليون كل مظاهر الفقر والبؤس والبطالة التي يعيشها البشر انطلاقًا من اتهام الفقراء والكادحين بالتسبب فيها. مثلًا، يفسرون ذلك بزيادة معدلات النمو السكاني والإكثار من الإنجاب، مما يؤدي إلى التهام كل “الجهود التنموية العظيمة” للحكومات الرأسمالية وكبار رجال الأعمال.
هذا التفسير ليس إلا خدعة كبرى، فصحيح أن موارد سوريا والعالم كله محدودة، ولكن التقدم التكنولوجي الجبار الذي يشهده العالم الرأسمالي قد وصل إلى درجة تسمح بتحقيق معدلات نمو اقتصادي تزيد كثيرًا عن معدلات النمو السكاني. إذا فرضنا أن معدل النمو السكاني قد وصل لدينا إلى رقم فلكي هو 3% سنويًا (في الحقيقة معدل النمو السكاني في سوريا لم يزد في عام 2010 عن 0.7%)، فإن تحقيق معدل نمو اقتصادي 10% في السنة -وهو معدل تحققه الصين الآن وكانت تحقق أعلى منه في سنوات سابقة- بهدف استيعاب الزيادة السكانية وتلبية احتياجات البشر إلى المأكل والملبس والمسكن، بل وتحقيق فائض، يصبح أمرًا ممكنًا جدًا.
يوجد أيضًا تفسير ثانٍ يروجه الحكام ورجال الأعمال الكبار في العالم، وهو أن الفقراء مسؤولون عن فقرهم بسبب كسلهم وعدم رغبتهم في العمل. أما هذا التفسير فهو في الحقيقة أكثر وقاحة من سابقه؛ كيف يمكن أن نصف بالكسل الطلاب الذين يتركون دراستهم من أجل العمل لمساعدة أسرهم في تحمل أعباء المعيشة؟ وكيف نصف عمال المصانع الفقراء بالكسل في حين يعمل أغلبهم مدة 10 أو 12 ساعة في اليوم الواحد؟ على الجانب الآخر، كيف يمكن أن نصف رجال الأعمال وأبناءهم بالنشاط في حين أن كل المجهود الذي يبذلونه هو ملء خزائنهم بالأموال وإنفاقها في الرحلات والسهرات وشتى سبل المتعة والرفاهية؟!
أما الاشتراكية الثورية فلا ترى أن العمال ولا الفقراء سبب كل الفظائع، بل أنهم ضحايا الرأسمالية القائمة على النهب والاستغلال. فالنظام الرأسمالي يقوم عامة على قاعدة أساسية، وهي أن الدافع وراء النشاط الاقتصادي هو تحقيق الأرباح للرأسماليين وليس تلبية الاحتياجات الأساسية للبشر. وبما أن المحرك الأساسي للنظام الرأسمالي هو تحقيق الأرباح ومراكمة رأس المال، لذا يتسابق الرأسماليون في السوق على تخفيض التكاليف الإنتاجية من طريق زيادة وتكثيف استغلال العمال لديهم. ومن ثم يغدو جهد وعرق العمال مصدر ثروة الرأسماليين.
الأمر كله لا يتوقف على درجة “إحسان وطيبة” رجال الأعمال الرأسماليين تجاه العمال الذين يعملون لديهم، ولكن بوضع هؤلاء الرأسماليين في المنافسة بعضهم مع بعض محليًا، وعلى المستوى العالمي أيضًا. فإذا عمل أحد الرأسماليين على زيادة أجور عماله أو تحسين الظروف التي يعملون وفقها، لن يجد لديه ما يكفي من الأرباح التي تسمح له بتوسيع استثماراته ومراكمة المزيد من رأس المال لينافس به نظرائه. وإن لم يفعل ذلك، سيسقط في هذه المنافسة ويلتهمه منافسوه في السوق.
يستثمر الرأسمالي وينتج لأنه يتوقع أرباحًا، وليس لأنه يريد “إسعاد البشرية”. ومن ثم لا تكترث الرأسمالية في سوريا -مثلًا- بملايين المشردين واللاجئين في الخيام، في حين أن المستثمرين الكبار في قطاع العقارات يتكالبون على بناء القرى السياحية والفيلات والقصور والعمارات الفخمة التي تُكلِّف المليارات، بدلًا من بناء مساكن شعبية تأوي هؤلاء.
عن بوابة الاشتراكي بتصرف