
عالم رأسمالي مأزوم! زمن الحروب والثورات
رافق الأوّل من ت٢/نوفمبر الجاري حدثان هامّان، الأوّل هو اليوم العالمي للتضامن مع مقاومة كوباني البطولية، التي سحقت وهزمت لأوّل مرّة تنظيم داعش الفاشي، وفكّكت مشروعه الهمجي، وكان ذلك اليوم من عام 2014 منعطف هام على الصعيد السوري والإقليمي، من جهة توالت هزائم داعش من بعده، ومن جهة أخرى تكالبت الدول الإقليمية والدولية للتدخل العسكري على الأرض السورية، ولا سيّما الغزو التركي الذي ساهم بإبقاء جُزر محمية للمرتزقة والجهاديين من كل نوع في شمال غرب سوريا، لكنّ الجانب الإيجابي في الأمر كان أن سارعت تلك التحوّلات في تعزيز مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
ترافق إذا هذا اليوم مع إعلان انتصار اليساري” لولا دا سيلفا “في انتخابات الرئاسة في البرازيل، وهزيمة مرشح اليمين الفاشي “بولسونارو”، وإن كان بفارق ضئيل يشير إلى حدّة الانقسام داخل المجتمع البرازيلي.
علاوة على أنّ “لولا” الذي كان سابقا رئيسا للبرازيل، فشل في تطبيق سياسات اجتماعية وعد بها في برنامجه الإنتخابي، وانتهى به الأمر إلى مراعاة مصالح الطبقة الرأسمالية الكبيرة، ما أدّى إلى نفور الجماهير منه ومن حزبه “حزب العمال” ، وفشله حينئذ في الانتخابات.
كما ترافق الأوّل من هذا الشهر مع إعلان انتصار متواضع لليسار في انتخابات الدانمارك.
هذه الانتصارات لا تغطي على حقيقة أنّ الأزمة المتفاقمة للنظام الرأسمالي العالمي في تجلياتها على صعيد الحروب هي لإعادة تقاسم النفوذ في العالم كما هو الحال في اوكرانيا، إضافة إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية في معظم دول العالم، ولاسيما الدول الكبرى، والأزمة البيئية الخطيرة.
مجمل هذه العوامل ساهمت في بروز اليمين الشعبوي والفاشي على الصعيد العالمي، وداخل الدول الكبرى نفسها. وقد ترافق ذلك وما زال مع صعود لليسار الجذري، وإن كان ما يزال أضعف مما يجب أن يكون عليه.
يعيش العالم بأسره حقبة انتقالية، قد تطول أو تقصر، تعبّر عن وصول الأزمة الرأسمالية العالمية إلى أوجها، ويعتمد نتائجها على مدى تمتع اليسار عالميا بالقدرة على جذب الجماهير إليه وتنظيمها وتنظيم كفاحها، لكي تتفتح للبشرية آفاق التحرر، والمساواة، و إن فشل في ذلك فإن أكثر الأزمنة بشاعة من الحروب والإفقار والخراب سيعمّ عالمنا،
ولعل أفضل تعبير وتوصيف لهذه الأزمة للنظام العالمي هو ما قاله المفكر الماركسي الإيطالي غرامشي في الثلاثينات من القرن الماضي:” تكمن الأزمة تحديدا في أنّ القديم يموت والجديد لم يولد بعد، في هذه الوهلة بين عصرين تظهر الأعراض المرضية الأكثر تنوّعا”.
انعكاس هذه الأزمة على الصعيد الإقليمي والسوري يمكن أن نلاحظه في التموضعات المتغيّرة للدول الكبرى والإقليمية والنظام وفق مصالح كل منها هنالك. على الأخصّ التموضع التركي الذي يلعب على الصراع الروسي-الغربي لتحقيق مصالح الدولة التركية، والحفاظ على مكاسبها، ومحاولتها تخفيف أعباء الأزمة الاقتصادية والسياسية عليها داخليّا، كما نجد مسار عملية تطبيعها مع نظام الطغمة السوري الذي بدأ يخطو خطوات هامة على صعيد تحقيقه. وما الرضى التركي على تمدّد هيئة تحرير الشام الإرهابية على حساب المرتزقة التابعين للاحتلال التركي سوى تمهيد لما هو قادم من مقايضات أكبر بين تركيا والنظام برعاية روسية. وفي تناغم مع ذلك، شهدنا منهما تصعيدا عمليا وخطابيا معاديا معاديا للشعب في مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وتحريض ضدها وضد هياكلها السياسية والعسكرية.
بالاستناد إلى هذه الوقائع، وغيرها يمكننا التوقع دون أن نخطئ كثيرا أنّ الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية، بأشكال متعددة، سوف تتزايد في المرحلة القادمة على الإدارة الذاتية الديمقراطية. وهذا يتطلّب استراتيجيات مواجهة ومقاومة على أكثر من صعيد، وليس العسكري فحسب.
الشعب المسلح هو الذي يدافع عن مكتسباته، وهذا يعني تنظيم الناس ومشاركتها الواسعة في تنظيم نفسها وتحقيق أفضل السياسات الإجتماعية، وايضا ابتداع و حشد كل آليات العمل المشترك مع القوى الجدية اليسارية والديمقراطية السورية وفي العالم. وبناء شبكات التضامن الأممي.
في هذه المعركة السياسية الحاسمة، نجد أن مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، كونه الإطار السياسي الديمقراطي الأوسع والأكثر تماسكا وخبرة، يقع على عاتقه، بعد إعادة رسم استراتيجته وآليات عمله وهيكليته، أن يلعب دوره المركزي المنوط به، كونه هو حقا وبالفعل قاطرة الحركة الديمقراطية السورية بعمومها، وأن لا بديل عنه في دوره هذا، وعليه التنسيق الوثيق مع بعض المسارات الديمقراطية الجدية الموازية. لأنه أياً كانت نتائج محاولات التحشيد الواسع الأخرى الجارية، للملمة شتات المعارضين الديمقراطيين في إطار كونفيدرالي تمثيلي، حال تحققت هكذا محاولات ، وهو ما نتمناه، فإن دور الأخيرة سيكون مختلف نوعياً عن دور مسد، لأنه ملقى على عاتقها التعبير عن توافقات مكوناتها المختلفة، للمصالح العامة للسوريين والإهتمام بقضاياهم الإنسانية
فلنبذل كل الجهود للدفاع وتعميم وتعميق مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية
من أجل سوريا ديمقراطية لا مركزية حرة ومستقلة تسودها المساواة والعدالة الاجتماعية.
تيار اليسار الثوري في سوريا
تشرين الثاني/ نوفمبر 2022
عالم رأسمالي مأزوم! زمن الحروب والثورات-pdf