
مصر قرض جديد وأزمة أعمق
أعلن وزير المال المصري محمد معيط، اليوم الأحد، الانتهاء من الاتفاق مع خبراء صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قرض جديد، موضحاً أنّه سيتم الإعلان عنه “قريباً جداً”.
جاء ذلك على هامش مشاركته في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، بحسب بيان لوزارة المال.
وقد أصدر الاشتراكيون الثوريون بياناً يوضح أسباب رفض القرض و الشروط الجائرة المفروضة على المصريين جاء فيه:
قرض جديد.. وأزمة أعمق
قرض آخر يُضاف إلى قائمة قروض النظام المصري من صندوق النقد الدولي. أعلن وزير المالية، محمد معيط، أول أمس اتفاق مصر المبدئي مع صندوق النقد الدولي “على مستوى الخبراء” بشأن تفاصيل برنامج قرض جديد كانت الحكومة المصرية تتفاوض بشأنه مع مسئولي الصندوق منذ عدة أشهر. وقال معيط إن الاتفاق ينتظر موافقة المجلس التنفيذي للصندوق، ومن ثم الإعلان عن تفاصيله “قريبًا جدًا” بحسب بيان الوزارة.
اعتاد النظام على الاقتراض من صندوق النقد الدولي (إضافةً إلى الاقتراض من بعض الدول أيضًا)، بدءًا من عهد السادات، الذي اقترض 185.7 مليون دولار في يناير 1977، ذلك القرض الذي اشترط خفض الدعم، فاشتعلت انتفاضةٌ جماهيرية رفضًا لرفع الدعم على رغيف العيش. وظلت السياسة نفسها قائمةً في ظل مبارك ومن بعده، لتتسبب في مراكمة المزيد من الديون التي لا تُسدَّد إلا من جيوب غالبية المصريين.
السياسة الاقتصادية لـ”الجمهورية الجديدة” إذًا ليست جديدة، بل عتيقة وبالية. كل ما هو “جديد” في الأمر هو زيادة حجم ووتيرة هذه القروض، وحرص النظام على تطبيق شروطها القاسية على ملايين المصريين بغرض نيل ثقة المؤسسات الدولية، لا سيما صندوق النقد، من أجل المزيد من الاقتراض في المستقبل، فيصبح بذلك الاقتراض “سياسةً” ممنهجة. حصل النظام في السنوات الست الأخيرة فحسب على ثلاثة قروض من صندوق النقد؛ الأول في 2016 بقيمة 12 مليار دولار، والثاني بقيمة 2.77 مليار لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، ثم استكمل بقرض ثالث بقيمة 5.2 مليار دولار عام 2020.
يسعى النظام للحصول على القرض الجديد لمحاولة معالجة اقتصاد مُنهَك ومُثقَل بالديون (تشكِّل الديون 94% من الناتج المحلي الإجمالي). لكن السبب في هذا الوضع الاقتصادي هو سياسات النظام نفسه وإهداره للموارد وإغراقه البلد في الديون نظير مشروعاتٍ لا تخدم إلا سواه. على سبيل المثال، تُقدَّر تكلفة مشروعات البناء بأكثر من 6 تريليونات جنيه، أغلبها في مدن جديدة، كالعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، إلخ، لا تخدم إلا مصالح النظام والطبقات العليا. هذا علاوة على صفقات الأسلحة التي تُقدَّر بعشرات المليارات من الدولارات لتوطيد علاقات النظام مع الدول الغربية وإسكات انتقاداتهم له. وفي مواجهة أزمات الديون وانهيار العملة، يسعى إلى قرضٍ جديد، مما يعني ديونًا جديدة، كمن يحاول إطفاء النار بسكب المزيد من البنزين!
ولا يتوقف الأمر عند صندوق النقد، فلدينا على سبيل المثال الإمارات والمملكة السعودية. ونتيجة لحاجة النظام إلى تسديد أقساط وفوائد الديون المستحقة، باع في أبريل الماضي حصص أقلية مملوكة للدولة في 5 شركات رائدة ومُدرَجة بالبورصة للصندوق السيادي الإماراتي، مقابل 1.8 مليار دولار، وسبق ذلك بيع حصص مصر في شركتين أخريين للصندوق الإماراتي. وبعد ذلك بأربعة أشهر، في أغسطس الماضي، باع النظام حصص أقلية في 4 شركات أخرى لصندوق الاستثمارات السعودي، بقيمة 1.3 مليار دولار. أصبح النظام بدون مواربة يبيع في مقدَّرات الشعب المصري للاستثمار الخليجي، لإنقاذ نفسه من الورطة الاقتصادية التي دفع البلاد إليها.
لا تأتي قروض صندوق النقد دون مقابل، فتخفيض الدعم التمويني والدعم على الخدمات والتعديلات المُجحِفة في الضرائب، وغير ذلك، كلها شروط يفرضها صندوق النقد وتمتثل لها الحكومة المصرية ولا يتحملها إلا غالبية الشعب، الذين لا يكترث بهم النظام إلا بقدر ما يمكنه نهب ما في جيوبهم. قرض عام 2016 على سبيل المثال كان مرهونًا بتنفيذ سلسلة من الشروط، كان من أبرزها تمرير قانون ضريبة القيمة المضافة، وقانون الخدمة المدنية الذي كبح نمو الأجور الحكومية، وتحرير أسعار الطاقة، وصولًا إلى تحرير سعر الجنيه نفسه، تلك الإجراءات التي عانينا منها أشد المعاناة خلال السنوات الماضية.
إن مثل هذه الشروط المُجحفة، التي ستؤدي إلى المزيد من الإفقار والمعاناة المعيشية، لا يمكن تمريرها إلا بقبضةٍ حديدية تضمن تصفية أي حركة جماهيرية أو سياسية يمكن أن تتصدى شعبيًا لمثل هذه السياسات. وهذا ما عكف عليه النظام بالفعل منذ العام 2013؛ قمع وترهيب الملايين من أجل إفقارهم دون معارضة تُذكَر.. نرفض قرض صندوق النقد، ونرفض سياسة الاقتراض بوجه عام، ونرفض تحميل الفقراء ثمن الأزمة، ونرفض تجريد الجماهير من أدواتهم -النقابات والأحزاب والصحافة المستقلة، إلخ- التي يدافعون بها عن أنفسهم في مواجهة حملة النظام المسعورة على معيشتهم.
الاشتراكيون الثوريون
17 أكتوبر 2022