
عاملات الأكاجو، هكذا يستفيد الرأسمال من عمالة النساء.
مع ارتفاع الاقبال على نمط التغذية النباتية، ازداد الطلب على الكاجو بفعل غناه بالبروتين، والمغنيسيوم، والبوتاسيوم، والحديد، والزنك، إضافة إلى الدهون الأحادية غير المشبعة
التي تحمي من عدة أمراض.
إن تزايد الطلب على هذا النوع من المكسرات خصوصا في الأسواق الأروبية، تدفع ثمنه الحقيقي النساء المنتميات لبلدان الجنوب، هاته البلدان المفقرة باعتبارها مستعمرات سابقة لازالت خاضعة للتبعية ومثقلة بالديون.
قبل أن يطرح الكاجو في السوق يمر عبر عدة مراحل، أخطرها التقشير، وهي عملية في غاية الخطورة. وتحتاج إلى العناية والدقة الكبيرة، لكن رغم هذا تقوم النساء في الهند كأحد البلدان المتصدرة لانتاج الكاجو، بتقشير بذوره بأيديهن، دون توفر أبسط معدات السلامة والأجهزة المختصة بذلك، ولأن منطق السوق هو الأرباح قبل الأرواح تترك النساء كما الاطفال المشتغلين كيد عاملة هشة ورخيصة ليواجهوا أخطار العمل لأن الاشتغال بقفازات سيبطئ وثيرة العمل وبالتالي سيقلل من الربح اليومي.
مادة اليوروشيول تكون عالقة بين القشرة والبذرة، حيث أن تناول الكاجو نيئا يعرض الشخص إلى خطر التسمم باليوروشيول.
ومن اخطار التلامس المباشر في عملية التقشير هاته، نذكر خطر الإصابة بأمراض الحساسية المختلفة الناجمة عن هذه المادة السامة، والتي تسبب أحيانا الموت بالنسبة لمن يعانون حساسية شديدة تجاه هذه المادة.
كما تحول ( بضم التاء ) لون أصابع العاملات للون أسود قاتم، وفي حالة سقوط القشرة على أي مكان من الجسد فإنها تحرقه حروقا بليغة. فضلا عن هذا تتأثر عيون العاملات كذلك بسبب المادة الحارقة، وهو ما يجعل قدرتهن على الرؤية تقل، إضافة إلى الحمى التي تتربص بهن ليلا.
وارتباطا بالوضعية العامة لعاملات الكاجو، سنتوقف عند مثال الهند كأول منتج لهذه الثمرة. وبالتحديد أقصى جنوب الهند في منطقة “تاميل نادو” حيث تنتشر حقول الاكاجو.
يحدد ( بضم الياء ) أجر العاملات وفق المردودية في العمل، ويترواح بين 4 يورو و 6 يورو في اليوم الواحد.
يبدأ العمل في الصباح الباكر، وطبعا يلزمن بالسرعة في العمل لكي يربحن أكثر، فلا راتب محدد لهن.
ومعيار تحديد الأجر هذا يفسر عدم ارتدائهن للقفازات، والتي لا يوفرها المصنع.
فرصة الشغل الوحيدة بالنسبة للنساء في هذه منطقة “تاميل نادو” هي معامل الكاجو، مورد الرزق الوحيد هذا يجعلهن مكرهات على بيع قوة عملهن والمخاطرة لأجل كسب يوروهات معدودة.
تتجه نساء بنفس المنطقة إلى إنشاء تعاونيات فيعملن لصالحهن، ويتم البيع عن طريق وسطاء، ويكسبن يوميا 3 يوروهات. وهو مبلغ قليل يدفع أغلبهن إلى المعامل لربح يورو أو اثنان اضافيان.
تصور الوثائقيات كيف تجنى الثمرة وما بعد الجني. لكن أرباب العمل في الهند نموذجا غالبا ما يطالبون الصحفيين الزائرين بعدم تصوير عملية التقشير. لأن أقل ما يقال عنها هو أنها توحش وقتل بالبطيء.
الكاجو هذه الثمرة الشهية وأحد المكسرات الأكثر رواجا، زبنائها ليسوا في الهند بل توجه إلى السوق الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية. هي في الحقيقة كابوس للعاملات في هذا القطاع. وهذا الأخير في الهند قطاع يجذب اليد العاملة الرخيصة وطبعا هن النساء بالدرجة الأولى مع وجود تشغيل الاطفال كذلك، وفي بلدان أخرى مثل الفيتنام كذلك يتم تشغيل الأطفال قسرا، وحسب دراسة استقصائية صادرة عن الحكومة الفيتنامية عام 2018، فإن نحو 14,469 طفلا يعملون في صناعة الكاجو، فيما لم يبلغ حوالي 56% منهم سن الخامسة عشر بعد، أي دون الحد الأدنى لسن العمل.
إضافة الاطفال يفرض كذلك على السجناء خاصة المدمنين في الفيتنام مزاولة هذا العمل تحت مسمى إعادة التأهيل، فالسجين يقشر ما يقدر ب 20- 30 كيلو من الكاجو يوميا، وفي حال رفض، فإنه يتعرض للضرب والعزل.
ختاما، إن الرأسمالية كنمط انتاج ذكوري رجعي لا يمكن أن تقدم للنساء سوى القهر والاستغلال، وطرحنا للنقاش المتعلق بنسوية الجنوب هو في الحقيقة وعي بأهمية تجاوز المركزية الغربية في مقاربة وضعية النساء بلداننا، حيث تدفع النساء فاتورة كونهن نساء من الجنوب المفقر والتابع اقتصاديا، والمتحكم فيه سياسيا، بالإضافة إلى كافة أبعاد الهيمنة الأخرى التي يغذي بعضها بعضا بشكل دائم.
لطيفة زهرة المخلوفي _ مساواة