
وداعا عماد شيحة، حياة تسربت في رمال سجن تدمر
رحل المناضل السوري والسجين السياسي السابق في سجون النظام، و”عميد المعتقلين” عماد شيحة عن عالمنا، تاركاً إرثاً إنسانياً وثقافي بين محبيه، بعد قرابة ثلاثين عام من الاعتقال في سجون النظام السوري.
توفي المترجم والكاتب والمناضل السياسي السوري، يوم الخميس 29/9/2022، في باريس، عن ثمانية وستّين عاماً (1954 ــ 2022).
ونعى أصدقاء ومحبي عماد شيحة خبر وفاته، فقالت الكاتبة السورية والمناضلة اليسارية حسيبة عبد الرحمن “وداعاً المناضل الكبير والكاتب عماد شيحا , هانحن نفيق على خبرٍ حزينٍ آخر، كأن القدر يتقصد أبناء جيلنا ( جيل السبعينيات) الواحد تلو الأخر ، ليصبح من تبقى من جيلنا أحياءً كتاّب معلقات رثاءٍ حزينٍ .
وهنا اتوقف قليلا عند ذكر المناضل والكاتب والحالم شفيف الروح والوجه واللسان عماد شيحا، الذي قضى مايقرب الثلاثين عاما من عمره في سجون النظام السوري مسوّجة بخمس مشانق لرفاق دربه في ( المنظمة الشيوعية العربية ) كتب على حبالهم نزيه ابو عفش ” هذا دم ليس ماء لتغسلي قدميك به ” ب قصيدته الشهيرة ( الله قريب من قلبي ) .
ويشكل عماد شيحا ورفاقه حالة حالمة نبيلة للنضال السياسي ، نضال ترجّوا منه صحوة ثانية لليسار الثوري بعمل يهز الضمائر ضد مصالح الغرب الكولونيالي في المنطقة العربية ، فهز نوم الحكام العميق لتنصب لهم المقاصل في ساحة الشام، وينجو من الاعدام ست، خمسة رجال وإمرأة بأحكام مؤبدات في دمشق واشباهها في الكويت ولبنان .
ونبل ظاهرة ( المنظمة الشيوعية العربية ) انعكست سماحة ولمعة عين وضحكة طفولية بوجه عماد ، الذي تسربت سنون شبابه في رمال صحراء سجن تدمر ، ليخرج كسير الحلم في فضاء الهزيمة النكراء لنا نحن الشيوعيين ..انعكس ذلك في شخصيات رواياته الثلاث المعقدة( غبار الطلع ، موت مشتهى ، عذابات بابل) والمنكسرة دون ضجيج في اختفائها المفاجئ وظهور بعضها بشكل هامس بأجساد مشلولة وأعضاء مبتورة وثلم عميق في الروح .
لا أدري ماذا أقول أيضا وحرارتي قد رتفعت وكذلك ضغطي الا سلام عليك يوم ولدت ،وسلام عليك يوم وفاتك ولروحك الجميلة الطيبة الخزامى والحبق والسلام امانة لكل من تقابلهم في نومك الطويل هذا.”
قضى عماد شيحا قرابة 30 عاماً من الاعتقال بدأت في ربيع العام 1975 بتهمة عضويته في المنظمة الشيوعية العربية.
وتنقل الراحل عماد شيحة، بين أهم السجون والمعتقلات إضافة إلى الكثير من فروع الأمن السورية، وبفعل المدة الطويلة التي قضاها في الاعتقال، أُطلق عليه لقب أقدم سجين سياسي في سوريا.
عماد شيحة، روائي وكاتب ومترجم. ولد في دمشق، عام 1954، وتلقى تعليمه في جامعة دمشق- كلية العلوم- قسم الكيمياء، وكلية الآداب- قسم اللغة الإنجليزية.
وانتسب إلى المنظمة الشيوعية العربية عام 1973، واعتقل في 21 حزيران 1974 مع مجموعة من رفاقه عندما كان في الحادية والعشرين من عمره.
وتنقل خلال فترة اعتقاله بين سجون مختلفة، من سجن المزة إلى سجن تدمر الذي أمضى فيه 16عاماً، إلى سجن عدرا الذي أمضى فيه ست سنوات، وأخيرا سجن صيدنايا الذي بقي فيه حتى تاريخ الإفراج عنه في 3 آب 2004 بعد ثلاثين عاماً من الاعتقال، ليكون بذلك أقدم سجين سياسي في تاريخ سوريا الحديث.
روايته الأولى “موت مشتهى” (2005) ذكّرت بالكثير مما يثقل به سجناء سياسيون قدامى وساسة متقاعدون على الرواية بخاصة، وعلى الكتابة بعامة. ولتليها رواية شيحة الثانية “غبار الطلع” (2006).
وله عدد من الروايات والكتب المترجمة والمقالات والدراسات: بقايا من زمن بابل (رواية صدرت في عام 2008)، وتنمية الموارد البشرية، سوريا مثالًا (2011).
وأهم أعماله المترجمة: صدام الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط لبرنارد لويس (2007)، واللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة لجون ميرشايمر وستيفن والت (2007).
تتقدم أسرة تحرير جريدة الخط الأمامي بالتعازي الحارة لجميع محبي المناضل عماد شيحة وأصدقائة.
الخط الأمامي