
نظام الطغمة: اقتصاد يقوم على صناعة وتجارة المخدرات
تؤكد التقارير أن موارد النظام السوري، خلال الأعوام الأخيرة، تعتمد بشكل رئيس على عائدات تجارة المخدرات “التي يشرف عليها شخصياً”، وبمقدمتها الحبوب المخدرة “كبتاغون” و”كريستال”، كاشفة” أن “مشوار المخدرات” أخذ الشكل التنظيمي، بعد أن تراجعت الصادرات “النظامية” إلى أقل من 600 مليون يورو، في حين تزيد الواردات عن 4 مليار دولار، ما دفع نظام الطغمة منذ عام 2015، للطلب إلى شركات الأدوية المرخصة بسوريا، لزيادة مستوردات مادة “فينيثيلين” وهي مادة منشطة والاسم العلمي للكبتاغون، لتزدهر تجارة المخدرات، أو تكشف للعلن عام 2019، حين تم إحباط تهريب أطنان من حبوب الكبتاغون عُثر عليها في اليونان تلتها شحنات مخدرات إلى الإمارات، ليصبح نظام الطغمة منذ ذاك تحت الضوء.
لكن عام 2020 كان الأكثر إنتاجاً وتهريباً وقت تم العثور في ميناء “بورسعيد” المصري على كميات “كبتاغون” مهربة بعبوات حليب مصنعة بشركة “ميلك مان” العائدة لابن خال الأسد، رامي مخلوف، لتأتي الفضيحة الكبري، بحسب وصف المتحدث، حين صادرت إيطاليا أكبر شحنة من مخدر الكبتاغون على مستوى العالم (14 طنا تقدر قيمتها بمليار يورو) في مرفأ “ساليرنو” جنوب مدينة “نابولي”.
ويؤكد عدد من الباحثين أن النظام يشرف على صناعة وتجارة المخدرات، مبينة أن في سوريا “عشرات المنشآت” لتصنيع المخدرات، ولكن أهمها وأكبرها في منطقة “البصة” بريف اللاذقية غربي سوريا، يشرف عليه “سامر الأسد” ابن عم رئيس النظام، كما يأتي معمل “ميديكو” في محافظة حمص، كثاني أكبر منشأة، بعدها معمل “التضامن” التابع لـ”الفرقة الرابعة” ومعامل عدة بمنطقة “القصير”، جنوب غرب حمص .
وتضيف “لدينا معلومات أن بعض المعامل بمدينة حسياء الصناعية، تنتج حبوب المخدرات لصالح النظام وتتبع لرجال أعمال من مدينة حمص”.

وحول الشركات ورجال الأعمال التي “تغلّف وتساعد” بتهريب المخدرات، تكشف بعض المصادر أن شركة “ميلك مان” كانت الأولى، قبل إبعاد “رامي مخلوف”، ولكن يوجد شركات مواد غذائية “متة، مخللات، تصدير خضر وفواكه، معامل الورق وحتى الرخام” منها شركة “كبور” كاشفة أن سامر وأيهم الأسد “أولاد كمال الأسد عم بشار” أهم المشرفين على التصنيع والتهريب، كما “ابن طلال الأسد” و”عبد اللطيف حميد” صاحب معمل الورق بحلب، ورجال أعمال مثل، “عامر خيتي” (الصورة) و “خضر طاهر”، وهذه الأسماء معروفة في اللاذقية.

أرباحها مليارات الدولارات
ويرجّح المحلل السوري، “محمود حسين” أن نظام الأسد، يعتمد على عائدات المخدرات، بعد تراجع الناتج المحلي الإجمالي، من 60 مليار دولار عام 2010 إلى أقل من 17 ملياراً العام الماضي، لكن رقم عائدات الكبتاغون وكفوف الحشيش “صعبة الإحصاء” لأننا نجهل الطاقة الإنتاجية والأسعار ونسب أرباح الموزعين” لكني أعتقدها بمليارات الدولارات سنوياً”.
ويرى “حسين” أن عمليات التهريب الكبرى، تتم بحراً من مرفأ اللاذقية، ولكن هذا لا يقلل من كميات وعائدات التهريب البري، عبر الأردن، إلى دول الخليج بشكل خاص، سواء من سوريا أو عبرها، للشحنات القادمة من لبنان، خاصة عبر المواد الغذائية.

ويشير المحلل السوري إلى أن الأرقام الصادرة عن “الصحافة والمراكز” هي تقديرية، مكرراً صعوبة حصر الكميات والأسعار والعائدات “لكن المخدرات هي أهم عائدات النظام” بعد تراجع الإنتاج الصناعي والزراعي، وتحول سورية إلى بلد مستورد للنفط والقمح والإنتاج الحيواني، على حد تعبير الاقتصادي “حسين”.
وكان وكانت قد قدرت دراسة نشرت عام 2020 قيمة صادرات الكبتاغون من سوريا، بنحو 3.46 مليار دولار، واضحاً أن سورية صارت مركزا عالميًا لإنتاج “الكبتاجون” المخدر، وأنها أصبحت أكثر تصنيعًا وتطورًا تقنيًا في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى.
وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، خلال تحقيق العام الماضي، إلى أن “الفرقة الرابعة” ، هي المسؤولة عن تصنيع مادة “الكبتاغون” وتصديرها، فضلًا عن تزعّم التجارة بها من قبل رجال أعمال تربطهم علاقات وثيقة بالنظام، وأعضاء آخرين من عائلة الأسد.

أسباب زيادة تهريب المخدرات
ويشير “المصبح” إلى أن سوريا كانت ممراً للمخدرات اللبنانية والأفغانية عبر إيران، ولكنها تحولت إلى بلد مصنع للمخدرات على المستوى العالمي، لتأمين بعض الموارد لتسديد رواتب وأجور القطاع الحكومي واستيراد بعض السلع والمنتجات “وأعتقد القسم الأكبر بعود لأرصدة عائلة الأسد بالخارج” غير مستبعد أن يتم إدراج وقف هذه الصناعة والتجارة، من قبل نظام الطغمة، ضمن سلة أو صفقة التسوية، بعد نشاط هذه التجارة و”مخاوف دول الجوار” وخاصة الأردن والخليج العربي.

ويلفت “المصبح” المنحدر من درعا أن معامل إنتاج الحبوب المخدرة، انتشرت حتى بمحافظة درعا ومدن شمال شرق سوريا والشريط الموازي للبنان، وإن كانت كبرى المنشآت في مدينتي اللاذقية ودمشق، مقدراً عائدات تجارة المخدرات بمليارات الدولارات وأنها “سترت عورة النظام” بعد تراجع الموارد العامة لخزينة الدولة.
وكانت تركيا، قد أعلنت خلال أيار مايو الماضي، عن ضبط “أكبر شحنة مخدرات في تاريخ الجمهورية التركية” بعد عملية أمنية لفرق مكافحة المخدرات في ميناء إسكندرون التابع لولاية هاتاي جنوب غرب تركيا.
وأعلن وقتها، وزير التجارة التركية محمد موش ضبط 1072.6 أي ما يعادل (طنا و72 كيلوغراماً) من حبوب “الكبتاغون” المخدرة بميناء إسكندرون، مشيراً أنّ المخدرات تم ضبطها على متن سفينة تحمل 17 حاوية بضائع، رست في ميناء إسكندرون قبل فترة وكانت تُحضّر لاستكمال طريقها لدولة الإمارات، وأنّ حبوب المخدرات كانت موزعة على 11 حاوية (كونتينر)، وبلغت القيمة السوقية للمخدرات “نحو 37 مليون و261 ألف و 905 دولار أمريكي.
إلا أن الأردن، وخاصة بعد فتح الحدود والمعابر، تأتي بمقدمة دول عبور المخدرات السورية براً، إلى الخارج، والتي تصل لحدود الإجرام والتصميم على التهريب بقوة السلاح، إذ أعلن الجيش الأردني، أخيراً أنه قتل 27 من “مهربي المخدرات” أثناء محاولتهم التسلل من سوريا، بعد إعلان السلطات الأردنية زيادة كبيرة في محاولات تهريب المخدرات من سوريا في الأشهر الأخيرة.
ويشير بيان الجيش الأردني، في 12 من كانون الثاني يناير الماضي، إلى أنه أحبط، خلال عام 2021 فقط 361 محاولة تسلل وتهريب من سوريا إلى الأردن، وضبط ما يقارب 15.5 مليون حبة مخدرات بأنواعها المختلفة، بما فيها “الكبتاغون” و”الترامادول”، وأكثر من 16 ألف ورقة حشيش تزن ما يقارب 760 كيلوغرامًا، لإضافة إلى 2 كغ من “الهيروئين”.

تغاضي الحكومة رفع نسبة التعاطي
وبواقع تفشي المخدرات وسهولة الحصول عليها بسوريا، تقول الباحثة الاجتماعية “بيان درويش” إنه “ليس من نسبة دقيقة للمدمنين، لكن سوريا باتت دولة مخدرات”.
وحذرت خلال لقاء مع “زمان الوصل” من انتشار المخدرات في أوساط الشباب وطلاب الجامعات والمدارس، الذكور والإناث “يمكنني من خلال المعايشة والمتابعة ووفق الدعاوى القضائية القول، إن انتشار المخدرات بأوساط الشباب أكثر من 50%”.
واعتبرت أن تراجع الدخل وفرص العمل مترافقاً بالإحباط بأوساط الشباب ومع التغاضي الحكومي، زاد من تعاطي المخدرات ووصل الواقع إلى “الخطر جداً”.
وفي حين تشير الباحثة السورية إلى أن مناطق جنوبي سوريا “دمشق، درعا والسويداء” هي من أكثر المناطق انتشاراً للمخدرات، لا تستبعد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من تفشي “هذا الداء” إذ صار في محافظة إدلب مركز متخصص لمحاربة الإدمان، بعد تفشي الحشيشة وحبوب الكبتاغون.
وحول آثار انتشار المخدرات تبيّن الباحثة “درويش” أن الأضرار لا تقتصر على الفرد “وهي كارثية” بل تطاول المجتمع وتماسكه وسياجه الأخلاقي، فالمخدرات تزيد الجريمة والعنف، وتساهم بمزيد من الإفقار جراء استغلال المروجين والمهربين للمتعاطين، ولا تقف آثارها عند الأمراض المعدية، بل تصل للدمار المجتمعي، خاصة بواقع كما السوري، زيادة عرض المخدرات ولجوء كثيرين له للهروب من الواقع المعاشي والمهني وحتى آفاق الحل المعدومة.
وعلى سبيل المثال، تضيف المتخصصة السورية “بلغت سورية العام الماضي، المرتبة الأولى عربياً بمعدل الجريمة والتاسعة عالمياً، حسب موقع Numbeo Crime Index المتخصص بمؤشرات الجريمة في العالم، وتتصدر المخدرات ومن ثم السرقة والتزوير والقتل الجرائم، ولكم أن تتصوروا أي واقع وأي مستقبل لسوريا”.
وبحسب إحصاءات رسمية صادرة عن رئيس لجنة مكافحة المخدرات، وزير داخلية الأسد محمد الشعار، فقد خلال الأخيرة من العام الماضي، 4663 قضية مخدرات بلغ عدد المتهمين فيها 6370 متهما في حين تم ضبط 1189 كغ من الحشيش المخدر و91كغ من الهيروئين و740 كغ من القنب الهندي و18 مليون حبة كبتاغون و501 الف حبة اخرى مخدرة مختلفة الانواع و737كغ من زهر القنب و7ر26 كغ من مادة الميثامفيتامين.

كما أعلن مندوب سوريا الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في “فيينا” السفير الدكتور حسن خضور عن ضبط نحو 50 مليون حبة كبتاغون وآلاف الكيلوغرامات من الحشيش المخدر خلال عامي 2020-2021.
ودعا السفير خضور في بيان ألقاه خلال جلسة إطلاق التقرير السنوي للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لعام 2021 التي عقدت في فيينا الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات إلى معالجة القضايا المتعلقة بمشكلة المخدرات العالمية بطريقة مهنية محايدة وضرورة التحقق من البيانات المتوافرة لدى الهيئة بهذا الشأن جيداً وتوثيقها وفحصها مع الدول الأعضاء المعنية مطالبا معدي التقارير بتقديم مزيد من الإيضاحات والأدلة والبيانات للتحقق من المعلومات الواردة في تقاريرهم بما يمكن من مساعدة المعنيين في سوريا بجهودهم لمواجهة هذا التحدي.
في الوقت الذي يضيق فيه النظام وأمراء الحرب الطوق على غالبية الشعب السوري، فإنهم يراكمون الثروات والنهب بكل الوسائل المتاحة لهم، بالعنف والقمع فلا مخرج للسوريين من هذه الكارثة إلا بالخلاص من مسببيها، وإرساء مقومات نظام ديمقراطي يحقق العدل الاجتماعي، ويقضي على أسباب الخراب والاستبداد والاستغلال والبؤس. ولن يتم ذلك إلا بتنظيم الجماهير الشعبية نفسها، والقوى الديمقراطية واليسارية بينها ومتابعة الكفاح على هذا الطريق
عن تقرير نشر في موقع زمان الوصل بتصرف