
احتجاجات جماهيرية تجتاح شوارع السودان
اجتاحت مظاهرات جماهيرية شوارع السودان يوم الخميس الماضي، لتؤكد رفض الشعب الإذعان للحكومة العسكرية. وفي تصعيدٍ على الاحتجاجات السابقة الأخيرة، أقام المتظاهرون في نهاية مسيراتهم اعتصامين في منطقتين بالعاصمة الخرطوم. ويستدعي ذلك إلى الأذهان التكتيكات التي تحدَّى بها الثوار السلطة العسكرية في 2019 والتي تسبَّبت في أزمةٍ عميقة للنظام في ذلك الحين.
جاءت استجابة السلطة العنيفة بالقمع الذي اعتادت على ممارسته. وبحلول العاشرة من مساء الخميس، أفاد نشطاءٌ بأن الشرطة والجنود قتلوا تسعة أشخاص، معظمهم في مدينة أم درمان، فيما كان هناك قناصٌ أعلى أحد المباني بجامعة القرآن الكريم في المدينة يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين.
وفي الخرطوم، أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وفتحت خراطيم المياه للحيلولة دون تقدُّم المتظاهرين باتجاه القصر الرئاسي. لكن ذلك لم يوقف المسيرات. وفي مدينة بحري، شماليّ الخرطوم، شق المتظاهرون طريقهم عبر جسر المك نمر وأجبروا قوات الأمن على التراجع.
بدأ الاعتصامان لاحقًا في حي المؤسسة وحي باشدار في الخرطوم. في البداية، أُعلِنَ الاعتصامان لمدة 24 ساعة فقط، لكن تقرَّر تمديد فترة الاعتصام استنادًا إلى تصويت المشاركين.
كان المتظاهرون قد أغلقوا في وقتٍ سابق الطرق الرئيسية في العاصمة بمتاريس من الحجارة والإطارات المحترقة. وقال العاملون في اثنين من الشركات الخاصة في قطاع الاتصالات في السودان إن السلطات أمرتهم بقطع الإنترنت طوال يوم الخميس.
وأفادت محطة راديو دبنقا السودانية بانطلاق مظاهراتٍ في مدينتيّ نيالا وزالنجي في دارفور، وفي مدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان، ومدينتيّ كسلا والقضارف شرقيّ السودان، ومدينتيّ دنقلا وعطبرة في الشمال. وواجهت المظاهرات في بورتسودان، بولاية البحر الأحمر، قمعًا من الشرطة التي أطلقت قنابل الغاز.
لقد ناضَلَ الشعب السوداني ببسالةٍ على مدار ثمانية أشهر منذ استيلاء الجنرال عبد الفتاح البرهان على السلطة في 25 أكتوبر من العام الماضي. أنهى ذلك الانقلاب الفترة الانتقالية التي كان من المُفتَرَض أن تفضي إلى حكمٍ ديمقراطي، ووضع كذلك نهايةً لاتفاق “مشاركة السلطة” الزائف بين الجيش والقادة المدنيين.
وجاءت مظاهرات يوم الخميس في تاريخٍ مميز، لأنه في 30 يونيو 1989 قاد عمر البشير انقلابًا عسكريًا أطاح الحكومة المُنتخبة آنذاك. وحكم البشير على مدار ثلاثين عامًا حتى العام 2019، حين أزاحته الحركة الجماهيرية من السلطة، وأشعلت عمليةً ممتدةً من التمرد والثورة.
وكانت شبكاتٌ من لجان المقاومة، وهي الهياكل الديمقراطية المحلية التي تجمع النشطاء سويًا وتتحدى سلطة الجيش، هي التي نظمت مسيرات الخميس.
وقال أحد أعضاء تنسيقية الريف الجنوبي بمحافظة شرق النيل أثناء مشاركته في مسيرات الخرطوم: “سوف نستخدم هذا اليوم لتكريس أنفسنا من جديد لثورة الشعب”. وقالت تنسيقية لجان المقاومة بولاية الخرطوم إنها كانت تأمل أن تكون المظاهرات بمثابة “عاصفةٍ قوية تطيح بالقبضة القمعية للانقلاب على السلطة”. وجاء في بيانها: “سنخرج ونرفض التخلي عن واجبنا حتى يسقط الانقلاب”.
وأضافت التنسيقية: “هذه معركةٌ مفتوحة معهم حتى ننتصر. إما أن نحقق أهدافنا أو نموت ونحن نحاول. سوف ننجز ما نهضنا من أجله، رغم معارضة كلِّ خائنٍ وجبانٍ ومتكاسل. سوف نستخدم كلَّ وسائلنا السلمية، مثل المظاهرات والإضرابات والعصيان والمتاريس”.
ويطالب المتظاهرون بإسقاط النظام وبإقامة حكومة مدنية وتحول ديمقراطي. وأحد الأسباب التي لا يريد الجيش من أجلها التخلي عن السلطة هو أنه يسيطر على قطاعاتٍ كبيرة من الاقتصاد. وقد أصدر مركز دراسات الدفاع المتقدمة في واشنطن الأسبوع الماضي قاعدة بيانات لـ408 كيان اقتصادي تسيطر عليهم النخبة الأمنية في السودان. وتتضمَّن هذه الكيانات تكتلاتٍ زراعية وبنوك وشركات استيراد أدوية.
يترأس مركز دراسات الدفاع المتقدمة أشخاصٌ على صلةٍ بالمؤسسة العسكرية الأمريكية، وهو على معرفةٍ بمناحي تدفُّق الأموال في السودان. قال التقرير إن عائلة محمد حمدان دقلو، القائد الوحشي سيئ الصيت لقوات الدعم السريع في السودان، يسيطر على 28% من الأسهم في بنك الخليج في السودان، إلى جانب ممتلكاتٍ أخرى عديدة.
لقد أظهَرَ أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع في السودان الخميس الماضي شجاعةً وعزمٍ هائلين. لكن هذا وحده ليس كافيًا لإنزال الهزيمة على الحكم العسكري.
يتعيَّن على لجان المقاومة ألا تقتصر فقط على كونها أجهزةً للاحتجاج، بل أن تصبح أيضًا مركزًا لحكومةٍ بديلةٍ عن الجنرالات ومؤيِّديهم. ولابد أن يرتبط ذلك بحشد الإضرابات بين صفوف القطاعات الأفضل تنظيمًا من العمال -الاتصالات والقطاع المصرفي وعمال الموانئ والخدمات العامة، مثل المستشفيات والمدارس والجامعات.
حقَّقَت إضرابات المعلِّمين مؤخرًا مكاسب حقيقية في ما يتعلَّق بالأجور وظروف العمل. وأعلنت 18 لجنة للمعلِّمين أنها مشاركةٌ في مظاهرات 30 يونيو.
هناك نقاشاتٌ جارية في أوساط لجان المقاومة حول قضايا جوهرية. وقد تضمَّن الميثاق الثوري لسلطة الشعب، الذي تبنَّته لجان المقاومة في 15 ولاية سودانية، خريطة طريق لتشكيل حكومة. وسوف يبدأ ذلك باختيار مجالس محلية في عمليةٍ تنطلق كجزءٍ من المقاومة ضد الانقلاب.
* التقرير بقلم: تشارلي كيمبر – صحيفة العامل الاشتراكي البريطانية
* ترجمة: سيد صديق