
كشفت تسجيلات مصورة، نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية، الأربعاء، قيام عناصر من قوات النظام السوري بعمليات إعدام جماعية في حي “التضامن” جنوب العاصمة دمشق، وحرق الجثث وتكديسها فوق بعضها.
وتظهر التسجيلات المصورة التي نشرت حديثًا، مجزرة ارتكبها عناصر النظام السوري في الضاحية الجنوبية للعاصمة دمشق في شهر أبريل/نيسان عام 2013، حيث ألقي القبض على مجموعات من المدنيين المناهضين للحكم، وتم توجيههم نحو حفرة لقتلهم ورميهم فوق الجثث الأخرى، وهم مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين.
وقالت الصحيفة، إن ما لا يقل عن 41 رجلًا قتلوا في مقبرة جماعية في ضاحية التضامن بالعاصمة دمشق، وهي جبهة قتال في ذلك الوقت أثناء الصراع بين رئيس النظام بشار الأسد والمعارضة.
وأضافت الصحيفة أن الحادثة وقعت بتاريخ 26 أبريل/نيسان 2013 عندما صب عناصر النظام الوقود على الرفات وأشعلوها وهم يضحكون، ويتسترون حرفيًا على جريمة حرب على بعد أميال عدة فقط من مقر السلطة في سوريا.

إصلاح اللابتوب وكشف المستور
ويحكي مراسل الغارديان في الشرق الأوسط، مارتن شولوف قصة عنصر في جماعة موالية لرئيس النظام بشار الأسد أعطى (لابتوب) يتبع لجهاز أمني سيئ السمعة، وطلب منه إصلاحه.
وكانت المفاجأة عندما فتح الشاشة ونقر على ملف الفيديوهات المخزنة، لتظهر لقطة غير ثابتة في البداية قبل أن تقترب إلى حفرة تبدو جديدة، بين بنايتين تظهر آثار الرصاص عليهما، وظهر ضابط مخابرات يعرفه قرب الحفرة ويرتدي قبعة صيد وزيًّا عسكريًا ملوحًا ببندقيته ويصدر أوامره بصوت عال.
وتقول الصحيفة إن العنصر الذي تسلّم الـ(لابتوب) لإصلاحه تجمد في مكانه وهو يشاهد الصور تظهر تباعًا، حيث اقتيد رجل معصوب العينين من مرفقه باتجاه حفرة ضخمة لا يعرف ما فيها وطلب منه الركض بسرعة، ليلاحقه الرصاص الذي اخترق جسده قبل أن يسقط على كومة من الجثث.
وأضافت “واحدًا تلو الآخر أُمر المعتقلون بالركض والسير باتجاه الحفرة حيث قيل لهم إن الأمن يحميهم من القناصة، وصدّق بعضهم ما قيل لهم، وفي نهاية العملية قتل 41 شخصًا في مقبرة جماعية، وتم صب (الكاز) عليهم وحرقهم للتستر على الجريمة التي حدثت في مكان لا يبعد سوى بضعة أميال عن مقر السلطة في سوريا.
وبعد المشاهد العصيبة التي رآها في الفيديو، شعر العنصر الجديد بالغثيان حيث قرر أن اللقطات يجب أن تُشاهد في مكان آخر، ما قاده إلى رحلة محفوفة بالمخاطر بعد 3 أعوام، قادته من سوريا باتجاه الأمان في أوربا، ثم تعاون مع أكاديميين حاولا الوصول إليه بصفته مصدرًا رئيسًا في تحقيق خارق للعادة وتأمينه، وفي الوقت نفسه تحديد الرجل الذي أشرف على المذبحة وإقناعه بالاعتراف بدوره فيها، بحسب الصحيفة.

كيف وصل التسريب؟
وقالت الصحيفة إن الباحثين أنصار شحود والبروفيسور أوغور أوميت أنجور، من مركز “الهولوكوست والإبادة الجماعية” في جامعة أمستردام، استدرجا عن طريق الإنترنت، أحد أهم الضباط المنفذين للعملية.
وقالت الصحيفة إنه على مدار عامين، انتحلت شحود شخصية مزيّفة على صفحة فيسبوك، وكانت تعمل على الإيقاع بالكثير من المتورّطين بالقتل في سوريا، وفي مارس/آذار 2021، استطاعت أخيرًا شحّود الوصول بهويّتها المستعارة إلى معرفة هوية الرجل الذي كان يرتدي في الفيديو قبعة صيد ويقوم بتنفيذ عملية الإعدام تلك. فكان الصياد هو “الفريسة”، وفقًا للصحيفة.
وتقول الصحيفة إن شحود كانت ناقدة حادة على الأسد رغم انتمائها إلى عائلة كانت على علاقة جيدة مع النظام السوري إلا أن الحرب والانهيار الاقتصادي أثر في العلاقات، وجعلها تصمم على تقديم الرئيس السوري للعدالة، مهما كان الثمن.
وانتقلت شحود إلى بريطانيا عام 2013، وبعد عامين انتقلت إلى أمستردام حيث التقت مع أنجور، والتقت رغبتاهما بتوثيق ما اعتقدا أنها إبادة ارتكبت في سوريا.
وتشير الصحيفة إلى أن تجميع الشهادات من الناجين كانت الطريقة الأبرز، وأيضًا الحديث مع الجناة طريقة أخرى، إنما كسر (شيفرة) الصمت المحيطة بالنظام، فقد كانت شبه مستحيلة.
وتقول الصحيفة إن شحود قررت التحول للإنترنت والبحث عن المسؤولين الأمنيين في النظام، والتظاهر بأنها مؤيدة للنظام السوري.
وقال أنجور “المشكلة مع النظام السوري أنه من الصعب دراسته، فلا يمكنك المشي في دمشق ملوحًا بيدك وتقول أنا عالم اجتماع من أمستردام وأريد طرح أسئلة”، مضيفًا “توصلنا لنتيجة أننا بحاجة إلى شخصية تلعب هذا الدور، ويجب أن تكون بنتًا علوية شابة”.

اختراق عبر الفيسبوك
ووجدت شحود أن الجواسيس والضباط في سوريا يستخدمون فيسبوك، ورغم عملهم السري إلا أنهم لم يكن يخفون نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولذلك قررت اختراع اسم “آنا ش”، وطلبت من مصور صديق لها التقاط صورة مغرية لوجهها. وحولت صفحتها إلى ثناء على بشار الأسد وعائلته وبدأت بتجنيد الأصدقاء.
وبحثت شحود، في فيسبوك على مدار عامين عن مشتبه بهم محتملين، وعندما وجدت شخصًا أخبرته أنها باحثة تدرس النظام السوري، وصارت متمكنة في تخفيها وفهمت النظام، ورتبت مع أونجور النكات والقضايا التي تساعدها في الطريق الذي اتخذته.
وتقول الصحيفة تحولت “آنا ش” بعد مدة لشخصية معروفة لدى رجال الأمن، بل الملجأ للكشف عن همومهم، وقالت شحود “كانوا يبحثون عن شخص للتحدث معه ومشاركته في التجربة”.
وحدث الاختراق، وفقًا لما أفادت به الصحيفة في مارس/آذار 2021، فقد استطاعت صفحة “آنا ش” جذب أكثر من 500 معجب من مسؤولي النظام المكرّسين له، ومن بينهم شخص مسؤول أطلق على نفسه اسم “أمجد يوسف”، ارتاب في البداية إلا أنها استطاعت استدراجه من خلال الضحك حتى ارتاح الوجه المتجمد وبدأ بالحديث، وسألته عن التضامن.
وواجهت شحود عبر مراسلة أمجد باسمها الحقيقي في الفيديو، ورغم إشارته في البداية إلى أنه كان فردًا يؤدي عمله، إلا أن نبرته تغيرت لاحقًا، وقال “أنا فخور بما فعلت” وهدد بقتلها وعائلتها.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في نهاية الدراما كان هناك شخص يجب توفير الحماية له، وهو المصدر الذي وفر اللقطات وكانت رحلة الخروج من سوريا معقدة، حيث سافر من العاصمة دمشق إلى حلب، ولم يستطع بعدها الخروج إلا برشوة ضابط في الفرقة الرابعة في الجيش السوري بـ1.500 دولار ليسافر إلى تركيا حيث التقته أنصار هناك.

الخاتمة:
فقد نظام الطغمة القدرة على إدهاشنا، نحن نعلم يقيناً أن لا حدود لأعماله الإجرامية فما زالت صور “قيصر” في البال حين اعتقد البعض أنها أسوأ ما قد يفعله هذا النظام.
يبدو أنهم أخطأوا إذ يتحدث التقرير عن شهادات سكان من الحي تحدثوا عن رائحة واخزة تنتج عن حرق الجثث، ولا أعداد دقيقة للجثث التي أُحرِقتْ. إذاً لم يحدث الأمر لمرة واحدة بل كان جريمة مستمرة، وكان هناك منافسة بين مرتكبي المجازر، حول من يقتل أعداداً أكبر. يميل النظام السوري وعناصره إلى الاستمتاع بجرائمهم ولا يستطيعون في الحقيقة إخفاء ذلك، يقوم أمجد في الفيديو بالسخرية من الضحايا وإيهامهم بأنهم يمرون من منطقة يتمركز فيها قناص مردداً: “قناص يا عرصة”، دون أن يعرفوا أن أمامهم حفرة ليسقطوا فيها بالنهاية، لا يريد أمجد للضحايا سوى الموت حيث لا مهادنة ولن تنفع استجداءاتهم ولا حتى صرخات النساء، يظهر في التسجيل قتل ست نساء بالفعل، “فيما يبدي أمجد درجةً من نفاد الصبر لأن أحد الضحايا لم يَمت لا من الطلقة الأولى ولا من الثانية، وبعد الطلقة الثالثة يصرخ مخاطباً الضحية «موت يا عرصة، ما شبعت؟». حتى الأطفال لم ينجوا ففي فيديو آخر، تتحرك عدسة الكاميرا فوق أجساد مجموعة من الأطفال وسط غرفة مظلمة، يتحدث أمجد قائلاً: “أطفال كبار الممولين في ركن الدين، تضحية لروح الشهيد نعيم يوسف”، أمجد انتقم لأخيه على طريقة النظام باغتصاب النساء وارتكاب المجازر والافتخار بقتل الأطفال.
إنها مجزرة تستمر لحوالي 25 دقيقة، 25 دقيقة كافية لقتل 41 مدنياً ولا نعلم أن المجزرة انتهت إلا حين يسأل أحد الجناة: “في غيرو؟”، لكن في تلك اللحظة لم يكن هناك ضحية أخرى، كان الجميع في حفرة الموت الكبيرة.
المصدر: الغارديان , الجزيرة , درج ميديا