
أطلق منظمو (روسيا وتركيا وإيران) أستانا، منذ عام 2017، على أنفسهم اسم “ضامنين”، ولكنهم في الحقيقة قسموا المناطق السورية إلى جبهات حرب، يغيّرون ديمغرافيتها وفق مصالحهم، حيث باتت نتائج اجتماعاتهم واضحة في كافة مفاصل حياة السوريين الذين باتوا يراقبون بقلق وتساؤل ماذا ستفعل الجولات القادمة ببلدهم؟
يستمر مسلسل “أستانا” بتكرار التراجيديا السوداء التي كتبها ويخرجها ما أسماهم السوريون، بثلاثي الصفقات “روسيا وتركيا وإيران” الذين دمروا البلاد، وهجّروا الشعب ويدّعون في ختام كل اجتماعاتهم بأنهم حريصون على وحدة الأراضي السورية.
‘بازارات سياسية’
سبع عشرة جولة عقدتها هذه الدول بدءًا من 23 – 24 كانون الثاني 2017، لمناقشة أزمة السوريين دون حضور أصحاب الأزمة، إلا أن أهداف النقاشات ونتائجها كانت واضحة، وهي استمرار التفاهمات الروسية – التركية، ليس إلا.
جولات متتالية طغى عليها أسلوب الصفقات والبازارات السياسية، فكان يسبق كل جولة من أستانا جولة تصعيدٍ على الأرض، يستثمرها الرابح في طاولة المفاوضات التي تنتهي بتبادل النفوذ في المناطق السورية.
وعلى الرغم من أن الدول الثلاث سعت إلى إعطاء هذه الاجتماعات صبغة سياسية، إلا أنها كانت عسكرية بامتياز ولم تقدم حلًّا لأي من الأمور السياسية والإنسانية التي كانت تتلطى وراءها هذه الدول كذريعة، وأبرزها ملف المعتقلين السياسيين وما تسمى باللجنة الدستورية.
سبع عشرة جولة.. كيف عقدت؟ وماذا أنتجت؟
الجولة الأولى عقدت في 23 – 24 كانون الثاني 2017: كانت الجولة بداية لتقاسم النفوذ بين (روسيا وتركيا وإيران) بعد التفاهمات التي جرت في 29 كانون الأول 2016 حيث كانت الحلول المقترحة تستند إلى نموذج حلب الذي باعت تركيا فيه المجموعات المرتزقة التابعة لها لحكومة دمشق وروسيا، وفي ختام الجولة الأولى، أُعلن الاتفاق عن إقامة آلية ثلاثية لمراقبة الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، لكن ما اتفقوا عليه لم يحصل، وظلت الاشتباكات والقصف مستمرًّا.
الجولة الثانية في منتصف شباط: رغم الإعلان الروسي عن توصل الجولة الثانية إلى إنشاء “آلية حازمة” لمراقبة وقف إطلاق النار، فإن سقف طموحات هذا الاجتماع كان أعلى بكثير حين اختتام سابقه، إذ كان يدور الحديث حول إعداد اللمسات النهائية على خريطة انتشار مرتزقة «جبهة النصرة» في الأراضي السورية، استعدادًا لفصل «المعتدلين» عنها بهدف محاربتها لاحقًا، ولكن لم يحدث هذا بسبب دعم أحد الأطراف التي تسمى ضامنة – تركيا- لمرتزقة جبهة النصرة.
الجولة الثالثة في منتصف شهر آذار 2017: لفت البيان الختامي إلى أن “الدول الضامنة” اتفقت على تشكيل لجان لمراقبة الهدنة والخروقات، ولجان لمتابعة ملف المساعدات، ولجان لملف الأسرى والمعتقلين، إلى جانب اقتراحٍ بتشكيل لجنة لصياغة الدستور السوري، ولكن لم يتغير أي شيء على أرض الواقع، إذ استمر القتل والقصف والاشتباكات والتجويع.
الجولة الرابعة في مطلع شهر أيار 2017: تمخضت عن الاتفاق على تحديد مناطق ما تسمى (خفض التصعيد)، وشملت إدلب والغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وجنوب سوريا لمدة 6 أشهر، لكن إراقة الدماء السورية استمرت، وبعد الجولة الرابعة من أستانا بدأت كافة جبهات القتال ضد حكومة دمشق بالتوقف بأوامر تركية، وبالتالي تفرّغت قوات دمشق وروسيا للسيطرة على “مناطق خفض التصعيد” الأربعة، الواحدة تلو الأخرى تباعًا، وتم نقل المرتزقة الذين رفضوا توقيع وثائق الاستسلام إلى إدلب التي تسيطر مرتزقة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) المصنفة على لائحة الإرهاب الدولي على 90 % من مساحتها.
الجولة الخامسة في مطلع شهر تموز: اختُتمت من دون التوقيع على وثائق، وتم تأجيل إبرام الاتفاق حول إقامة 3 مناطق خفض تصعيد في محافظة إدلب وحمص والغوطة الشرقية، بشكل مؤقت، كما لم تتمكن أطراف محادثات أستانا “روسيا وتركيا وإيران” من تنسيق حدود تلك المناطق.
الجولة السادسة في منتصف أيلول: حققت الجولة السادسة مصالح الدول الضامنة، فروسيا استطاعت أن تخفف هجمات المجموعات المرتزقة على دمشق، وبالتالي ساعدت الأخيرة في استعادة مناطق جديدة وفرض الحصار على مناطق أخرى وتجويع سكانها، وجعل المرتزقة فيها يستسلمون.
الجولة السابعة في30 أكتوبر- تشرين الأول 2017: انتهت من دون تحقيق نتائج تُذكر، حيث لم تصل الأطراف المشاركة لأي توافق فيما يخص إطلاق سراح المعتقلين وتبادل الأسرى، وفي إيصال المساعدات بشكل متواصل إلى السكان في المناطق المحاصرة.
الجولة الثامنة في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2017: تمخضت عن تحديد موعد مؤتمر في سوتشي بروسيا، وكانت الدول الراعية لأستانا قد ركزت في هذه الجولة، على تقريب وجهات النظر بشأن الخطوط العريضة للمبادرة الروسية الرامية إلى أن تكون بديلًا عن منصة جنيف التي فشلت في إحداث أي خرق نتيجة استعصاء التوافق على جملة من الملفات.
واستغلت تركيا هذه الاجتماعات لاحتلال عفرين عبر عقد صفقات مع روسيا، إذ تم إفراغ الغوطة الشرقية من مرتزقة تركيا لقاء السماح لتركيا باحتلال عفرين.
الجولة التاسعة في 14 مايو/ أيار 2018: أصدر الثلاثي الضامن، في ختام الجولة، بيانًا مشتركًا أكدت فيه روسيا وتركيا وإيران استعدادها لمواصلة الجهود المشتركة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ودعم تنفيذ توصيات “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في سوتشي، وبدأت روسيا لترويج مسوّدة دستور كتبها خبراء روس.
الجولة العاشرة في 30 تموز 2018: اتفقت الدول الثلاثة المتدخلة في سوريا على “مساعدة السوريين” في استعادة حياتهم الطبيعية، وبدء المحادثات لمساعدة النازحين واللاجئين في العودة، ولكن أيًّا من ذلك لم يتحقق، بل استمر القتل والتدمير والنزوح.
الجولة الحادية عشر في 28 تشرين الثاني 2018: لم تصل الجولة إلى أي نتائج، فكان من المفترض أن تناقش الأطراف تشكيل اللجنة الدستورية، ولكن المحادثات فشلت في بدايتها بسبب خلاف بين روسيا والمبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري.
الجولة الثانية عشر في 25 نيسان 2019: لوّحت خلالها حكومة دمشق بشن عملية عسكرية على إدلب التي تجمّع فيها المرتزقة من كافة أنحاء سوريا.
الجولة الثالثة عشر: انتهت ببيان يشبه الذي قبله، دون قرارات ملموسة فيما يتعلق بالتقدم في ملف ما تسمى اللجنة الدستورية، الذي صدرت تصريحات متناقضة من الأطراف المشاركة بخصوص إنجازه، الخلافات بين روسيا وإيران تزايدت حول مشاركة روسيا في اجتماع القدس الأمني بين روسيا وأميركا وإسرائيل، وموافقتها على استمرار الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية داخل الأراضي السورية.
الجولة الرابعة عشر: اختتمت في العاصمة الكازاخية نور سلطان، دون أن تحمل معها أي جديد نوعي سوى معاداة الكرد وعموم مكونات شمال وشرق سوريا.
الجولة الخامسة عشر في 23 نيسان/ أبريل عام 2020: خرج المجتمعون ببيان فضفاض حول الأوضاع في الشمال الغربي من سوريا، كما جرت العادة في أغلب اجتماعات المسار الأخيرة، والتي لم تؤدّ إلى إنهاء التصعيد. وخلال الجولتين 14 و15 جرت أحداث وتطورات ميدانية مهمة في إدلب ومحيطها، إذ سيطرت دمشق على كامل ريف حلب الجنوبي وجانب كبير من ريف حلب الغربي، كما سيطرت على قسم كبير من ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، لا سيما مدينتي سراقب ومعرة النعمان، بالإضافة إلى محاصرة المزيد مما تسمى بالنقاط التركية القديمة والجديدة في محيط إدلب.
الجولة السادسة عشر في 7 – 8 تموز 2020، خرجت ببيان ختامي لا يختلف شيئاً عن بيان الجولة السابقة، إذ تطرق إلى مصالح الدول الثلاث في سوريا، وهاجم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
الجولة السابعة عشر في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2021: لم يخرج البيان الختامي للجولة 17 من مسلسل أستانا بين ثلاثي الصفقات (روسيا وتركيا وإيران) بشأن سوريا، عن نطاق بيانات الجولات السابقة التي تضمنت الحديث عن (وحدة الأراضي السورية واستقلالها) ومهاجمة التجربة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا.
وتزامنت الجولة الأخيرة من أستانا بخصوص سوريا، مع هجمات مكثفة للاحتلال التركي على شمال وشرق سوريا، حيث قصف بشكل مكثف خطوط التماس في تل تمر وزركان، بالإضافة إلى القصف بطيران مسيّر على كوباني، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى من المدنيين، فيما أطلق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تصريحات سلبية تجاه الإدارة الذاتية والكرد.
الأستانا، منصة عسكرية بصبغة سياسية لتنسيق مصالح ما يسمى “الضامنين”
قال المنسق العام لتيار اليسار الثوري في سوريا الدكتور غياث نعيسة في حديث لوكالة أنباء هاوار: “أصبح واضحًا، أن مسار أستانا جاء لترتيب علاقات ونفوذ كل من روسيا، وإيران وتركيا في سوريا، وما جرى ويجري بينها في هذا الإطار هو نوع من سياسة المقايضة فيما بينها، وبالتأكيد فإن مصالح هذه الدول لا غير، هو ما يحكم إطار أستانا، وليس إطلاقًا حاجة ومصالح الشعب السوري”.
وأضاف: ” إن أستانا، منصة تنسيق عسكرية، وسياسية بين الدول الثلاث، روسيا؛ وإيران؛ وتركيا يعمل على رسم سياساتها، وتوافقاتها داخل سوريا، وبالتالي طالما بقيت هذه المنصة، فإن ذلك يعني، إلى حد كبير، أن ما تقوم به كل منها في سوريا يحظى بموافقة الآخرين، وأيضًا فإن اتفاق أستانا، يعمل على تقليص الخلافات بين هذه الدول، أو بالأحرى إدارتها”.
مسار يهدد كل طرف سوري مستقل عن إرادة هذه الدول.
وحول ما جلبه هذا المسار للشعب السوري، قال نعيسة: “مثل هذا المسار لم يجلب، ولن يجلب أي شيء إيجابي للشعب السوري، ولا لمستقبله، ولا لمستقبل الأرض السورية نفسها؛ لأن مسار أستانا هو أقرب إلى هيئة أركان مشتركة بين الدول الثلاث. ولذلك فليس مستغرباً أن تخرج بيانات اجتماعات أستانا لتهديد أو التنديد بأي طرف سوري مستقل عن إراداتها، وليس تابعاً لأحد دولها”.
وحول أسباب تهديد هذه الدول للإدارة الذاتية، قال: “لأن الإدارة الذاتية تتميز بطابعها الوطني السوري، أي أنها نتاج كفاح قطاعات من السوريين، وبأهداف سورية تسعى إلى استعادة وحدة البلاد على أساس قيام نظام ديمقراطي، لا مركزي في سوريا، مستقل بإرادته؛ لذلك نرى هذا التهجم المتواصل على مشروع الإدارة الذاتية؛ لأنها ما تبقى من إرادة شعبية مستقلة للشعب السوري على الأرض السورية، ولأنها مشروع مستقبلي وطني وديمقراطي لعموم السوريين”.
الجولات القادمة لن تنتج جديداً والحل بتعميق الإدارة الذاتية شعبياً وديمقراطياً
وحول الجولة المقبلة، قال نعيسة: “لن يكون هناك جديد من اجتماعات أستانا المتواصلة سوى المزيد من ترتيب مصالح روسيا، وتركيا، وإيران على حساب الشعب السوري، إلا إذا اصطدمت مصالحها فيما بينها في سوريا في لحظة ما من تطور الوقائع، وما يمكن أن يعجل من هذا التناقض، هو الاحتضان الوطني لمشروع الادارة الذاتية، وتحولها إلى حاضنة لكفاح كل السوريين من أجل الاستقلال، والتحرر من الاستبداد، والاحتلالات، والعدل الاجتماعي”.
وبشأن ما هو مطلوب لمواجهة مخططات وأطماع هذه الدول، قال المعارض السوري غياث نعيسة: “إن بروز دور القوى الديمقراطية السورية ذات الإرادة المستقلة الحاملة لمشروع التحرر الديمقراطي، والاجتماعي، والمستندة على تعميق الإدارة الذاتية شعبيًّا وديمقراطيًّا هو القادر على إخراج شعبنا من براثن الغزاة، والطغاة بكل أنواعهم”.
حوار أجراه الصحفي يحيى الحبيب لصالح وكالة أنباء هاوار مع المنسق العام لتيار اليسار الثوري في سوريا الرفيق غياث نعيسة.
✪ إعلام تيار اليسار الثوري في سوريا من أجل الاشتراكية والثورة
#FrontLine #Revoleftsyria ☭✊🚩
https://linktr.ee/revoleftsyria