
قال لي على الهاتف:
– أعطني رأيك بما يحدث في كازاخستان وببيان حزب العمال الشيوعي الروسي بهذا الشأن يا خال،
ونزولاً عند رغبته، وتعميماً للفائدة، إن كان هناك من رأي ما يمكن أن أفيد به، فإنني وبعد قراءة بيانهم بالتمعن الكافي، لا يمكنني أن أنفي موقفهم المتقدم قياساً على موقف حزب زيوغانوف الشيوعي الروسي في مسألة التشخيص، فقد جاء في معرض تشخيصهم للأسباب الجوهرية لانتفاضة الكازاخيين الحالية الآتي:
1- الهيمنة الرأسمالية مدة ثلاثين عاماً، التي أدت إلى استفحال التناقضات الاجتماعية استفحالاً هائلاً.
2- بذخ النخبة المسيطرة جنباً إلى جنب مع المزيد من إفقار الجماهير العاملة.
3- تسلط عائلة نزاربايف واغتنائها.
وبالمناسبة، فالمذكور عضو مكتب سياسي سابق في الحزب الشيوعي السوفييتي، وسكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في كازاخستان السوفييتية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، ورئيس كازاخستان مطلق الصلاحية منذ الانهيار وإلى عام 2019، وحاكمها الفعلي من وراء الستار بعد ذلك، وراعي مافيات النهب الحكومية الأكبر، ومُسخر ثروات بلاده الهائلة لصالح أسرته، وصاحب فكرة العاصمة الجديدة (نور سلطان) المسماة على اسمه في حياته.
4- القمع الوحشي من السلطات للمتظاهرين، وإطلاق النار عليهم، وقتل العشرات من العمال، واعتقل المئات وسجنهم أيام إضراب مدينة جاناوزين عام 2011، إضافة إلى تنفيذ الأعمال الانتقامية اللاإنسانية بحقهم فيما بعد.
5-السلطة الحقيقية في كازاخستان بأيدي الشركات الكبيرة.
6-العمال الأشداء خلال المعارك الطبقية في جاناوزين، الذين فصلوا من عملهم آنذاك، شكـَّـلوا الآن طليعة الانتفاضة الطبقية الجديدة.
وهنا أرجو من القارئ التوقف ملياً عند السطرين السابقين؛ من أجل مقارنتهما بما سيأتي لاحقاً من كلام عن التنظيم والوعي.
7-ابتدأ الأمر باحتجاجات عمالية تحوَّلت إلى إضراب غطى خلال أيام قليلة مناطق بأكملها، ودعمه سكان المدن.
هذه هي الأسباب الموجبة للثورة هناك، كما جاءت في البيان، أما مضاعفة أسعار الغاز في بلد هو أحد أكبر المنتجين لهذه المادة الحيوية، فليس أكثر من القشة التي قصمت ظهر البعير.
لكن أين هي سقطة شيوعيي حزب العمال في بيانهم!
دعونا نقرأ معا.
جاء في البيان بعد كل ما ذُكـِـرَ أعلاه:
إننا نرى أنَّ الوضع لا يزال بعيداً عن الوضع الثوريِّ، فحتى هذه اللحظة لا يوجد لدى عمال كازاخستان منظمة ولا وعي شيوعي.
رفاقنا هؤلاء الآتون من العصر الحجري البلشيفي لا يرون ثورة بمعزل عن الوعي الشيوعي، وكأنَّ الثورات حكر على الشيوعيين وحدهم، وكأنَّ كلَّ وعي آخر لا يـُـعتدُّ به في الحراكات الاجتماعية.
ولا تغيب عن أبصار هؤلاء الرفاق الحذقين نظرية المؤامرة، فتراهم يدرجونها في بيانهم، وكأنها ترنيمة عيد أو لازمة أغنية، إذ يكتبون:
كما أنـَّـه ليس سراً، أنَّ العديد من المنظمات غير الحكومية العاملة في أراضي الجمهوريات السوفيتية السابقة والممولة إمبريالياً، تعمل منذ سنوات على تدريب النشطاء، وبضمن ذلك في الدول الأجنبية الكبرى، فلهؤلاء الناشطين مقرَّاتهم الخاصة وأموالهم واتصالاتهم، وهم ينتظرون اللحظة المناسبة لركوب موجة الاحتجاجات؛ ليأخذوها في الاتجاه الذي يريد أسيادهم، فيستبدلون بزمرة حاكمة أخرى، لكنهم يحافظون على علاقات الملكية الخاصة مصونة، بينما أعينهم لا تغمض عن المندسين بنكهة كازاخية، إذ يكتبون أيضاً:
إننا ندين بشدة أفعال العناصر المندسة والمستفزين واللصوص؛ الذين انضموا إلى الاحتجاج الشعبي لتشويه سمعة البروليتاريا متعددة الجنسيات في كازاخستان، الأمر الذي ساهم بتبرير قيام السلطات بقمع الإضرابات، والتجمعات، والمظاهرات بالعنف تحت ستار حماية الشعب، أو حماية السكان من الإرهابيين.
هكذا، ورغم كلِّ مسوغات قيام ثورة كازاخية بعد أن طفح كيل شعبها من ممارسات الطغمة الديكتاتورية الحاكمة المتهتكة هناك، وهي المسوِّغات التي استعرضها البيان ذاته، يأتي كاتبوه لينسفوا كلَّ كلامهم بسفاسف من نمط غياب الوضع الثوري والتدخل الخارجي، والاندساس، وهو كلام مكرور سمعناه مع كلِّ انتفاضة في المنطقة العربية، التي يعرف شعوبها كيف تعمل الأجهزة الأمنية على إطلاق يد اللصوص والقتلة لتخريب أي حراك شعبي، وكيف أنَّ التدخلات الخارجية تأتي من الرجعيات المحيطة؛ للمساهمة في قمع هذه الحراكات، ولتثبيت أركان الأنظمة الآيلة إلى السقوط، لأنَّ الخيط سيُكرُّ، ما إن يسقط أوَّل نظام متداع.
وهذا التدخل الخارجي قد جاء سريعاً جداً هذه المرة في المثال الكازاخي من أنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة من روسيا الاتحادية زعيمة الرجعية الأوراسية.
وختاما، لا يسعني القول لرفاقي سأبكي بيانهم إلا الآتي:
ينبغي أن يكون هناك ما هو أحسن في فهمكم يا رفاق، فمقدماتكم لا تستوي ونتائجكم التي استخلصتموها.
خالد نعمة _نقلا عن صفحته على “فيسبوك”
✪ إعلام تيار اليسار الثوري في سوريا من أجل الاشتراكية والثورة
#FrontLine #Revoleftsyria
https://linktr.ee/revoleftsyria