
ملف 20121 /
المضاجعات / قصة قصيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*****
الحل الوحيد هو أنني فعلت ذلك. بعد أن طلبتُ سائق التكسي الذي اعتمد عليه في تحركاتي المحلية. الذي كان شبيهاً بالدمية البلاستيكة, التي تبث رائحة نتنة هي رائحة عاهرات بحكاياهن التافهة كما ينبؤني دائماً. انه يوصلهن إل بيوتهن وغالبا ما يقبل دعواتهن إلى غرفهن وأسرتهن في آخر الليل. وفي الغالب يطير أجر العمل اليومي قبل بزوغ الفجر..
****
كنت أقول له: أجرك عندك ربك يا عرص
***
اليوم كان عليَّ أن أمضغه بحكاية, قبل أن يلتهمني بحكاياه الغبية. لم أكن أحب أن أسمع شيئاً لا عن العاهرات, ولا عن المحصنات فروجهن إلى يوم الدين. إذ أنه يستغرب سر خروجي في هذا التوقيت غير المعتاد. ثم أن ارتاد الكافيتريا في وقت مبكر من أجل نبيذ, أو عرق, أو فودكا.
**
قلت له: اسمع يا حيواني الاسفنجني
ـ هههه أحببتها هذه .. الحيوان الأسفنجي يا معلمي.. هذه شتيمة جديدة لم تقلها لي من قبل..
ـ أمك.. يصلها اللازم فيما بعد.. اسمع يا منيك المحارم
*
لم يكن قد مضى على ذلك سوى بعض الوقت. أي أن تكون وحيداً في عزلة بيضاء, ليست موشاة بغير وشاح من الدم. الذي هو لكائنات لا تعرفها, ربما عرفت بعضها من قبل بطريقة ما سحرية أو غير سحرية, واقعية أو غير واقعية. كأنك في حديقتك بين أشجار كريستالية بثمار من أحجار كريمة وأخرى خبيثة وغيرها..
*****
لم يكن يفضي شارعك هذا الذي لا تعبره سوى بعض البهائم في الليل, بعد أن يخلو من رائحتك إلى بعض الأزقة الجانبية أو النفايات التي ترميها في الغالب كائنات تمر بالأرض سريعاً, وعلى حين غرة دون إنذارات مسبقة. سوى بعض تلك الهالات الغامضة من الضوء الحامض أو ما يشبهه..
****
لم تكن تنوي أن تكسر ذاك الصوت, أو تلك العزلة أمام إغراء الأصوات الرقيقة البعيدة. إغواء الصوت يعادل إغواء جسد أملس كالبلور ما لم يكن أكثر. تعجبُ الفكرة أو الصورة امرأة عابرة أو طارئة بالصدفة.
قلت : العزلة هي المرمر تماماً
قالت : هل لي أن ألمس المرمر أمام مرآتك
لم أكن قد تحدثت عن المرآة. بل لم أذكر أنني ذكرتها, قد لا أذكر شيئا لا أحبه. لا أريد توصيف وجهي يومياً ولا أحب تجميله
***
الرائحة هنا لا تنبيء عن فعل خطر في المقبل من الزمن. أصوات الرصاص تتلاشى على المنحدرات الحادة. حبال الغسيل ما تزال عامرة بالملاقط بثياب النساء وأولادهن وذكورهن, الذين خرجوا في الصباح بعد مضاجعات ليلية تحكمها الغريزة الخوف الواجب والنسل, ربما بلا عودة مرة أخرى. لا أحد يستطيع أن يخمن متى العودة راجلاً أو ميتاً ككلب محملاً فوق ظهر بغل من الصفيح. معظمهم في الغالب دون عودة يتبخرون في العبث والعشب والقتال عادة, إلى أن يصيروا ذرات غبار فاسدة فوق المستنقعات الصدئة بطحالبها الميّالة إلى البني المصفّر تماماً وكأن أولئك الهوام من البشر تقيأوا هنا وتركوا أرواحهم فوق تلك الأشنَّات تأكلها الأسماك الملولة الكسولة من أخامص أقدامها.
**
كان ضرباً من العبث أن يحدث ذلك
أن يقتحم عوالمك كائن مجهول وهو يعرف ما في دواخله, ما تحت أظافره, أو بين طيّات جلده. ليس الوقت أو المعرفة من الأمور المهمة هنا في العزلة. المضاجعات على حد الشفرة أهم من ذلك بكثير. الحكايات السخيفة الباهتة عن الصيادين الخائبين أيضاً هي أهم من الهراء الأرسطوي بكثير عن النص الشعر الخارق للمألوف. قد يكون من الأفضل أن تتلذذ بحبة من العنب إلى نهاية حلاوتها. ثم تمضغ القشرة المرة كما لو كنت تمضغ ملاكاً صغيراً ولذيذاً بحجم حبة من العنب. يقال أن الملائكة ليس أطول من حبة العنب لذلك يطيرون بأجنحة عملاقة وسريعة جداً بين السموات السبع, وحتى بين السنين السبع العجاف. حتى أنهم يطيرون بأريحية كاملة بين الضباع الغدارة ذات الجيف والنتانة.
*
الغروب إلا قليلاً
الريح تلعب من الشرق إلى الغرب
على الأرجح هيأت نفسي لأن أكون سوياً ومعتدل المزاج بعض الشيء. في الغالب يعجبني مزاجي المعتل دائماً لا لشيء إلا لأنه معتل ولا يستقيم أبداً ومن السيء جداً أن أعبر به صراط الرب في يوم ما. لم يكن ينقصني نبيذ أو شيء. ربما نوبة من فرح طفولي مباغتة وعلى غير العادة. لا بد أن لي أنفاً خبيثاً أو غبياً, إلا أنه يتشمم بعض الروائح عن بعد أو عن قرب. رائحة جسد لا بد كما قدرت نفاذة ومخرشة بعض الشيء. السفر الطويل يستوجب ذلك. ثم أن تعانق كائناً تراه للمرة الأولى, كما لو كان طائراً من خرافة ما بين المدن والملح والحكايات المرعبة إلى حد بعيد.
*****
الليل بعد قليل
ربما اتجهت الريح من الغرب إلى الشرق
كنت أحب هذا النوع من المضاجعات الاحتفالية الاستقبالية السريعة كتوطئة لازمة لما هو ألذ وأمتع. ويمكن اعتبارها نوع من التعارف الجنسي لجسدين غريبين عن بعضهما. يشبه ذلك كثيراً حين تلتقي بامرأة في الكرخانة, لكن بعيداً عن الحذر والضغط النفسي اللعين وكأنك تجر خلفك حصاناً وعربة محملة بالحديد والحنين.
****
إلى حد ما كنت أتخيل نفسي كقرصان من الفولاذ, وفي أحيان كثيرة, لم أكن سوى قرصاناً من الخردة المزاجية التافهة. لا بد أن رائحة الجسد تختلف كثيراً بعد الماء والرغوة. حتى أن رائحة العطر تحل بديلاً عن رائحة العرق تحت الإبط. تلك هي أسرار الرب في النساء وما أكثرها. لنقل بكامل القناعة والقصد دون مواربة تذكر, أن الرب فنان ذواقُ نبيذ ورائحة بارع أو من طراز فريد. والأكثر من ذلك أنه كان أكثر من حالم ومراهق لا يشق له غبار في الأيروتيك.
***
نقضي ليلة أولى دافئة يا صاحبي..
ثم ليلة ساخنة بعض الشيء. ثم ساخنة جداً. كأنما الحيوانات كانت متوقفة خلف ذاك الحاجز, ثم بدأت بالتدفق الهذياني إلى حدود تلك الارتجافات أو الرعشات الغامضة الصاعقة, تحت قمر ليلي متأخر.
**
لم يكن الأمر غريباً أن تعتذر منك امرأة كما تبدو في حالة ملل أو خوف أو ترقب لشيء ما, كي تذهب بمفردها إلى غرفة النوم. هي فرصة كي أكون وحيداً أتأمل ذاك الطائر بجناحيه الحادين وهو يشق الهواء متجها إلى الشمال في تلك المساحة اللانهاية من الفضاء بتدرجاته اللونية المصحوبة بالأزرق والأورانج وبقايا غبار أو ضباب رمادي. أخذت أسمع صوت المرأة من هناك. من السرير, انها على الأرجح مستلقية مع أحد, أحد ما.. فوق سريري. تدرج تأوهاتها من الصفر إلى المئة ينبيء عن رعشة جنسية حادة.
ـ هل كانت تضاجع أحداً؟؟
ـ بالتأكيد
ـ ومن كان في البيت غيرك؟؟
ـ لا أحد..
ـ أعوذ بالله.. هل كانت تحكي مع أحد ما.. يعني انتاكـ…؟
ـ طبعاً.. بالتأكيد
*
يمكن القول بمنتهى الدقة إن المقود قد لعب بين يدي هذا السائق النغل الرخوي كدودة ساق التفاح. جنحت السيارة بنا عن مسارها الطبيعي ثم عادت إلى التوازن. كانت طيور بيض كالثلج تطير ببطء شديد فوق ضفة البحيرة, تراقب بعيون حادة اقتراب أسماكاً صغيرة قد تقترب من سطح الماء كي تنقض عليها بشراسة عدمية تماماً.
ـ وفي الليل
ـ ماذا في الليل
ـ ألم تسألها عن شيء؟؟
ـ لا.. أبداً.. لست فضولياً..
*****
مجرد ليل تالٍ مبني على الحذر, وإن يكن الاحباط متوقعاً. لا بد أنه عري مدهش, وجسد مصقول كما في الحكايات الأدبية التافهة. ضوء الشمعة الحمراء لا ينبيء عن كارثة أبداً. السهسكات لذيذة مثيرة واحترافية إلى حد بعيد. ليس لك هنا فوق السرير سوى أن تغرق بالمضاجعة إلى حدود النشوة. لكن.. فجأة يخيل لك أن أحداً ما يقاسمك المرأة من حيث لا تدري. هي لا تنفي ذلك البتة, إنما تحاول أن تحل إشكالاً ما.. لأحد ما..
ـ كأن تقول بالدور يا حبي أنت أولاً.. ثم..
تبعدني قليلاً عن جسدها كي أتأملها وهي ترتعش أو ترتجف من فرط الشهوة. وهي تصرخ
ـ اتركه.. اتركني.. لا تقترب كي لا يؤذيك
****
كان ثمة مفردات أو لغة ملغومة. أخذ السائق على إثرها يبسمل ويحوقل ويقرأ المعوذات معوذة.. معوذة, والسيارة تنتقل من أقصى اليمين, إلى أقصى اليسار.. صرخت
ـ هش يا حيوان ما بك كدت أن تسقطنا في الوادي لا تذهب خلف الطيور بعيداً.. من الصعب أن تصيد سمكاً.. أو طيوراً بيضاء بسيارة من الخردة الصفراء
ـ لكن.. من هو الثالث على السرير؟؟ قل لي..
ـ لا أحد.. لم أر أحداً.. فقط أصوات
ـ تقصد.. تقصد.. تقصد.. جني؟؟
ـ جني يا بغل ؟؟ هههه
***
يقتنع السائق تماماً بأنه لا يمكن صيد الطيور البيضاء فوق البحيرة بسيارة صفراء من الخردة. يقود بتوءدة واعتدال كأنما كي لا نسقط في الوادي. إلا أن حبات من العرق تنفر من وجهه المحمر, من تقطيباته المتواصلة. من بسملاته وحوقلاته. من تهيؤاته. يتشبث بالمقود حتى لتظنه أنه تلك القطعة من المعدن الصلب الميت بأحلام صفراء, تنقلب إلى حقيقة مرعبة في جزء يسير من الساعة. ثم بعد غرقه بالصمت واحتقان وجهه حتى حدود الانفجار
ـ يعني.. يعني.. كنتما تضاجعانها بالتناوب
ـ إلى حد ما.. أجل..
ـ قلت لك أنه جني يا معلمي
ـ لا.. يا بهيمة..
**
قبل أن يقلعني من البيت. قبل أن أتصل بك بقليل, قبل أن يأمرني أن أنقله معك إلى الكافيتريا. رأيت كائناً من البودرة غير الصلبه. هيكلاً من الهلام الرمادي ربما. هيكل من الصعب توصيفه. ثم دخل تحت إبطي. كانت الطيور البيضاء بتكاسلها الشديدة باعناقها الطويلة الممدودة إلى الأمام قد دخلت أول الوادي. ما يعني أنه بالإمكان الآن اصطيادها بسيارة من الخردة الصفراء
ــ يعني.. يعني.. هو الآن في السيارة
ـ لا.. تحت إبطي فقط..
*
فجأة.. أرعبتني صرخة السائق المفزوعة حد الهلع وهو يثب نحو الأعلى, وكأن شيئاً ما قد دخل به من دبره صعوداً صوب دماغه.
ـ قلت لك انه جني
ثم أخذت السيارة تتقلب نزولاً صوب أسفل الوادي. بينما كنت أصرخ من هول القرقعة المعدنية الحادة.
ـ هش يا حيوان ه..ه.. ي.. ش.. ش.. ششش
البيت: أيلول/ 2021