
مقال رأي
بقلم : عباس المغربي 01/09/2021
يتطرق التقرير ادناه في جزءه الأول إلی الأوضاع الراهنة بالمغرب، وأوجه الأزمة المركبة التي تعصف بالبلد، علی المستوی الصحي والبيٸي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي۔ أما جزءه الثاني فيحاول رصد نقاط قصور المقاومة وسبل وآفاق تطورها۔
ويحاول رصد التحولات الجارية في مجريات الصراع الطبقي بالمغرب، علی ضوء مستجدات استفحال أزمة رأسالمال العالمية، وما تفتحه من آفاق ثورية وتغيرات جدرية في موازين القوی۔
– الوضع الصحي والبيٸي :
تضرب جاٸحة كورونا خارج نطاق السيطرة، عكس ما يحاول النظام المغربي تسويقه، فإلی حدود كتابة هذه الأسطر، تم تسجيل 849532 حالة إصابة بمعدل ارتفاع يومي يتجاوز 7000 حالة جديدة، وما يقارب 12500 حالة وفاة۔ فيما بلغ معدل ملء أسرة الإنعاش في القطاع العام 52 بالمائة، و 70 بالمائة في القطاع الخاص۔ تعكس هذه الأرقام الرسمية رغم عدم دقتها (نتيجة لتكتم وزارة الداخلية علی المعطيات الحقيقية) فشل السلطات وعجز سياساتها الترقيعية عن احتواء الأزمة۔
وتنذر هذه الوضعية الكارثية بالأسوء مستقبلا، عند مواجهة كوفيد 19 أو غيره من المخاطر الصحية، إذا أخدنا بعين الاعتبار واقع المنظومة المتردي،
فمستشفيات المغرب لا تمتلك سوى 1640 سرير إنعاش، لما يقارب 40 مليون نسمة، لا يمتلك منها القطاع العام سوى 684 فقط ! وإذا أخذنا مجمل الفترة الممتدة من 1960 إلى 2014، سنجد أن أسرة المستشفيات شهدت انخفاضا بـ 31%. كما أنه ليس للمغرب اليوم سوى 6,2 طبيب و8,9 ممرض لكل 10.000 نسمة. ويزداد الأمر سوءا بالمناطق التي تعيش وضعية هشاشة وفقر مدقع، علما انها الأكثر تضررا من الفيروس، سواء صحيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا۔
لقد كشفت الجائحة عن الانقسامات الهائلة بين الأغنياء والفقراء، وخطوط الصدع العميقة التي تقسم المجتمع، ففي حين تتمع البرجوازية المحلية بكافة وساٸل الوقاية والأمن الصحي، فرض علی الجزء العريض من العمال والكادحين الالتحاق بأماكن عملهم المكتظة دون حماية تذكر، فيما ألقي بالجزء المتبقي إلی براثن البطالة والفقر، وهو ما يعادل في الحالتين إصدار حكم بالإعدام على العديد منهم وعائلاتهم من أجل تحريك الإنتاج وبالتالي جني المزيد من الأرباح۔
وبالإضافة إلى آثار الجائحة، من المرجح أن تؤدي الأزمة البيئية إلى تفاقم الوضع، مما سيؤدي إلى تفاقم الفقر وانعدام السيادة الماٸية والغذائية. حيث يواجه المغرب خطر نضوب الموارد المائية، وزيادة حدة الوقائع المناخية (مثل الفيضانات ونوبات القحط والجفاف وحراٸق الغابات۔۔۔) الناجمة عن تغيُّر المناخ۔ وعلـى الرغـم مـن هذا التناقص المطـرد، فـإن الإسـتهلاك المفـرط للمـوارد المائيـة في تزايد مستمر، لاسـيما المياه الجوفية۔ وقــد شــهد عدد من المــدن المغربيــة فــي الســنوات الأخيــرة احتجاجـات للسـاكنة المحليـة بسـبب تواتـر ظاهـرة العطـش وصعوبـة الولـوج إلـى المـاء الشـروب، فـي وقـت يسـتمر فيـه كبار الملاك في اسـتخدام الميـاه الصالحـة للشـرب لسـقي المسـاحات الخضـراء بقصورهم ومنتجعاتهم ومشـاريعهم السـياحية، ناهيـك عـن الاسـتثمار في زراعـات تستنزف الفرشة المـاٸية۔
وترتكز السياسات الفلاحية الليبرالية بالبلد علی توفير شروط استحواذ كبار الرأسماليين على الأرض وباقي الموارد الطبيعية، ومدهم بالإعانات العمومية والتسهيلات الضريبية لإنتاج زراعات تصديرية كثيفة، مستنزفة، ولا تغطي عائداتها سوى حوالي 47% من الواردات الغذائية۔ بتواز مع تكثيف إفقار الفلاحين الصغار والمتوسطين وإخضاعهم لمشيٸة مجموعات فلاحية، تجارية، صناعية وتصديرية كبرى۔ ما أفقد البلد سيادته الغداٸية۔
وقد سخرت الدولة أجهزتها القمعية والقضائية لمحاصرة احتجاجات الفلاحين الصغار والسكان المتضررين من هذا الزحف الرأسمالي البشع بمناطق سوس والجنوب الشرقي والغرب (سيدي سليمان) وميدلت وتادلة (بني ملال وخنيفرة) والريف. وقد نظمت بمدن، الدار البيضاء يوم 25 نونبر 2018، والرباط يوم 17 فبراير 2019، وتزنيت يوم 24 مارس 2019 مسيرات وطنية للتنديد بمختلف تعديات دولة الباطرونا وكبار الملاك على الحقوق الجماعية كالأرض والغابات والمراعي والثروات المعدنية وغيرها، وذلك بمبادرة من تنسيقية أكال للدفاع عن حق الساكنة بالأرض والثروة.
– الوضع الاقتصادي :
الأزمة الاقتصادية الراهنة بالمغرب عميقة للغاية، وقد كثفتها تأثيرات الجاٸحة، ويتعين علينا الرجوع للسنوات الأولی من الإستقلال الشكلي كي نجد وضعا مشابها لما نعيشه اليوم، حيث يرزح الاقتصاد تحت وطأة ركود حاد هو الأول منذ 1995۔ وتٶكد أكثر التوقعات تفاٶلا أنه لن يتم التعافي وتجاوز الانكماش إلا بحلول العام 2023. إضافة إلی تراجع الاستثمار الخاص والاستثمارات الأجنبية المباشرة۔ وبلغ حجم العجز في الميزان التجاري 97.44 مليار درهم (حوالى 11 مليار دولار) مع نهاية النصف الأول من 2021، مسجلاً بذلك ارتفاعاً بمعدل 13 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من 2020، مع استمرار ارتفاع معدل التضخم۔
كما يواصل معدل البطالة ارتفاعه الحاد، فقد انتقل من 12,3 في الفصل الثاني من سنة 2020 إلی 12,8 في الفصل نفسه من سنة 2021، خصوصا في الوسط الحضري حيث انتقل من 15,6 إلی 18,2 في المٸة۔ وسُجل معدل 15,9 في صفوف النساء، و 30,8 في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و 24 سنة۔ (علما أن هذه الأرقام الرسمية لا تعكس وضع سوق الشغل الحقيقي بسبب طريقة احتسابها المضللة)
وأفادت مديرية الدراسات و التوقعات المالية، التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، بارتفاع حجم الدين الخارجي العمومي، حيث بلغ 373,7 مليار درهم برسم الربع الأول لسنة 2021 ( ما يناهز 42 مليار دولار أمريكي). وأوضحت المديرية، أن هذا الدين يتوزع على الخزينة (200,9 مليار درهم) وباقي الدائنين العموميين (172,8 مليار درهم). وفي ما يتعلق بخدمة الدين الخارجي العمومي، أفادت المديرية أنه سجل ارتفاعا ليصل 5,3 مليار درهم (2,7 مليار درهم تمت تسويتها من طرف الخزينة، و2,6 مليار درهم من قبل باقي الدائنين العموميين).
– من يدفع ثمن هذه الأزمة؟
الحل الوحيد الذي تقترحه الحكومة لكي تواجه هذا الوضع هو تطبيق سياسات تقشف شديدة القسوة لإجبار الفئات الأكثر هشاشة على دفع ثمن أزمة لم يتسببوا فيها، وهم الأكثر تضررا منها والأقل قدرة على تحملها. في هذا السياق أعلن وزير المالية بن شعبون عن الشروع في “إصلاح صندوق المقاصة”، أي الشروع في رفع الدعم التدريجي عن مواد أساسية كغاز البوتان، والسكر، والدقيق، وتحرير أسعارها كليا بحلول العام 2024۔ وشهدت أثمنة عدد من المواد الأساسية لاستهلاك كادحي البلد ارتفاعا صاروخيا، نذكر منها علی سبيل المثال لا الحصر : الزيادة في ثمن زيت المائدة لمرات متتالية خلال أشهر قليلة بلغت 27 درهم تقريبا في 5 لتر، ️الزيادة في ثمن حبوب القطاني (فاصولياء، عدس، حمص، أرز۔۔۔) بحوالي 3 دراهم للكيلوغرام۔ كما تراهن الحكومة على توسيع الوعاء الضريبي في إطار تنزيل مقتضيات القانون الإطار المتعلق ب “إصلاح النظام الجبائي”، قانون يخدم مصالح الباطرونا، ويتقل كاهل الفٸات الدنيا۔ وتعكف مصالح وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة على إعداد برنامج جديد لخوصصة ما تبقی من القطاع العام.
إن هذا النهج يتمشی حرفيا مع توصيات وخطط المٶسسات المانحة للقروض، المنتجة لمزيد من الأزمة والخراب. هكذا تواصل آلية الديون اشتغالها في نقل قسم مما تنتج الطبقة العاملة إلى مراكز الرأسمال العالمي، فيما قسم آخر يواصل تدفقه إلى البرجوازية المحلية، بتشديد الاستغلال وتحميل أعباء عواقب الأزمة المعززة بتأثير الجائحة للطبقة العاملة والطبقات الشعبية، بالتسريحات والاغلاقات وتجميد للأجور، وضرب القدرة الشراٸية، وتكثيف الهشاشة في الشغل، وخوصصة الخدمات الاجتماعية، ونهب المالية العامة عبر صنوف دعم شتى للرأسمال الخاص.
إن تراكم الفقر والمعاناة في قطب العمال والكادحين هو في نفس الوقت تراكم للثروات في قطب الرأسماليين. وإذا كان الفقراء يعيشون في الجحيم على الأرض، فقد بلغت ثروة ”ملك الفقراء”، حسب قاٸمة فوربس لسنة 2021، 8,2 مليار دولار۔ وعلی الرغم من الأزمة الخانقة، لم تنخفض ميزانية القصر حيث يتلقی ما قدره 2,5 مليار درهم (ما يزيد قليلا عن 230 مليون يورو) سنويا. كما أن ثروة كبار الرأسماليين في محيطه قد تضاعفت، فعزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، علی سبيل المثال لا الحصر، وصلت ثروته ل 2 مليار دولار في 2021 حسب نفس القاٸمة، بارتفاع تجاوز 900 مليون دولار خلال سنة. ناهيك عن أصحاب البنوك وكبار المضاربين، الذين يواصلون جني أرباح بالكاد يمكن تخيلها۔
– الوضع السياسي :
باشرت الملكية في المغرب عملية استرداد ما تنازلت عنه إبان انتفاضة الشعوب في 2011، فقد أُجبرت وقتها علی التكيف مع مناخ رفض الإستبداد والديكتاتورية۔ وقدمت تنازلات كان أبرزها توسيع هامش حريات الصحافة والتعبير والتنظيم والتظاهر۔ ولأن التنازل كان تحت ضغط ميزان القوی الماٸل لصالح الكادحين، فما إن خفت الزخم الثوري حتی قامت الملكية بالتراجع عن ما تحقق من مكتسبات۔
فتتالت حملات قمع الهبات الاجتماعية، وتواترت الاعتقالات والمحاكمات الصورية۔ يكفي أن نذكر بمحاكمة معتقلي حراك الريف حيث أُصدر حكم بمٸات السنين في حق مطالبين بجامعة ومستشفی وشغل يحفظ الكرامة۔
وكان تكميم أفواه الصحافيين وجه آخر من أوجه القمع الممنهج المسلط علی رقاب المغاربة، وتم تطويق حرية التعبير المنتزَعة باستكمال ترسانة قانونية (مدونة الصحافة والنشر)، بل ذهب المخزن إلی اعتقال الأقلام المتمردة علی سلطته، بتلفيق تهم أخلاقية قصد اغتيالهم معنويا قبل الزج بهم في غياهب السجون۔ وقد علق محمد الساسي قيادي في الحزب الاشتراكي الموحد سابقا (حزب إصلاحي) قاٸلا : 《أعترف لكم اليوم أنني لا أستطيع استيعاب ما يقع في بلادي، وبوصفي معارضا معتدلا في بلادي، فإن ما يقع في مواجهة الفكر والمعارضة والنقد والرأي، يجعل أطروحاتنا المتعلقة بالانتقال الديمقراطي وبالتطور التدريجي محط سخرية من الناس.》وأضاف : 《لم يكن في تاريخ المغرب كله هذا العدد من الصحافيين المعتقلين۔۔》۔
لا يمكن أن نُتهم بالمبالغة إذا قلنا أننا نعيش اليوم في ظل نظام بوليسي أبشع وأشرس من نظام بنعلي الباٸد بتونس، فنظام المخزن يقمع ويعتقل المعارضين والصحفيين، والمدونين علی شبكات التواصل، ونشطاء الحركات الاجتماعية، ويتعدی ذلك إلی اعتقال المتضامنين معهم۔
وعلى عكس ما يظهر لمتتبع سطحي، لا يعبر هذا السعار عن قوة هذا النظام، بل عن رعبه الشديد. فهو يعرف جيدا أن المستقبل القريب يحبل بانتفاضات أضخم من تلك التي رآها حتى الآن. يعلم أن كل العوامل التي أدت إلى اندلاع الحراك الثوري قبل 10 سنوات ما تزال قائمة بل تفاقمت مئات المرات، وأنه يجلس على جبل من البارود. وهذا ما يرعبه ويجعله يسارع لإطفاء كل ما يمكنه أن يشكل شرارة تشعل الوضع بأكمله.
وتسير الملكية نحو تجديد مٶسساتها الشكلية، من برلمان وجماعات محلية ومجالس جهوية، لمواصلة تمويه الاستبداد وإخفاء تجميع كافة السلط السياسية والاقتصادية والعسكرية والقضاٸية بيد الملك، عبر واجهة تلقي عليها فشل السياسات الجاري تطبيقها۔ غير آبهة بمقاطعة أوسع الجماهير لمسرحية الانتخابات، فلم تتجاوز نسبة المشاركة 45% سنة 2011 ، 43% سنة 2016 حسب تصريحات وزارة داخليتها۔
وبغض النظر عن هذه النسب، فالعملية الانتخابية لا تفرز مصادر القرار الحقيقية بالمغرب، لم يتم انتخاب ديوان الملك ومستشاريه ومجالسه العليا، وهي من يقرر في السياسات الاستراتيجية علی المستوی الوطني، كما لم يتم انتخاب الولات وعمال الاقاليم أصحاب القرار في الشأن المحلي والجهوي۔
إنها لعبة متحكم في أدق تفاصيلها، ونتاٸجها معروفة ومعدة سلفا، وقد جربها المغاربة طيلة عقود۔ لم تتغير النتيجة بتغير الأحزاب التي “تقود” الحكومة والبرلمان، وضل نهج سياسات نيولبرالية تخدم الرأسمال الأجنبي وحليفه المحلي، نهج سياسات معادية لمصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين هو النهج الساٸد۔ وسيظل المغرب وكادحوه فريسة لهذا النهب الاستعماري، طالما لم يفرض الضحايا بديلا سياسيا قوامه مجلس تأسيسي يعيد بناء البلد بتخليصه من الاستبداد، وإحلال ديمقراطية عمالية-شعبية، وتوجيه اقتصاده لتلبية حاجات الجماهير الشعبية في تجسيد كامل لحقها في حياة لائقة وكريمة.
– نقاط القصور والتحولات الجارية :
لقد تمكنت الملكية سابقا وللحدود اليوم من تدبير الأوضاع علی مختلف الأصعد، مستفيدة من :
+ خفوت زخم السيرورات الثورية بالمنطقة العربية والمغاربية، والمآلات المأساوية لبعضها (ليبيا، سوريا، مصر۔۔۔)، وكذا تأثير الجاٸحة الكابح للنضالات الحالية (الجزاٸر، لبنان۔۔۔)، وبطلان مفعول هذه الديناميات علی الاستعداد النضالي للجماهير العمالية والشعبية بالمغرب۔ لكن الأسباب التي أدت إلی اندلاع انتفاضات الشعوب لا تزال قاٸمة، من انهيار مستويات المعيشة والأزمة الاقتصادية وانتهاكات النظام الفاسد القمعي، وقد تكثفت بمفعول الجائحة، حيث ظلت الطبقة السائدة تمارس ضغوطًا هائلة على العمال والفٸات الشعبية الهشة لما يناهز السنتين. ما خلق حالة من السخط والاستياء، ومستوى من الاستقطاب الاجتماعي لم نشهده منذ عقود، هذا ما يرسي أساس جديد لانفجار الصراع الطبقي في المنطقة بأسرها.
+ تعاون البروقراطيات النقابية مع الدولة تحت مبرر “الاستقرار”، لتسهيل تنفيذ هجماتها على الطبقة العاملة وسائر الفئات الشعبية۔ ومن أوجه هذا التعاون تعمد هذه البيروقراطيات الإبقاء علی الحركة النقابية دون خطة نضال إجمالية بوجه العدوان البرجوازي المتصاعد، ما يٶدي إلی استفحال النزوع الفئوي بين قطاعات الأجراء، مع ما يلازمه من أوهام تحقيق المطالب بصفوف مشتتة، سرعان ما تخلف الإحباط بعد الفشل۔ وقد نشهد قريبا أحد أشد مصائب هذا التعاون ضررا متمثلا في تمرير القانون المُجَرِّم للإضراب والمانع له عمليا۔ لكنها (البيروقراطيات) لم تعد تمتلك نفس السلطة التي تسمح لها بالسيطرة على العمال كما كانت في الماضي۔ فقد انفلتت قطاعات واسعة من أجراء القطاع العام من سطوتها، وتشكلت تنسيقيات أظهرت من الكفاحية والصمود والديموقراطية في تسيير المعارك ما يدفعنا للقول أنها اللبنات الأولية لحركة نقابية وعمالية كفاحية وديموقراطية۔
+ أما على صعيد النضال الشعبي، فقد تمكنت الدولة من احتواءه بالقمع تارة، وتارة أخری بتقديم تنازلات ووعود، مستفيدة من نقص التنظيم الذاتي لدى المحتجين، ومن غياب منظمة توحد النضالات على نطاق وطني۔ كما تستفيد الدولة في استباق الاحتجاج الاجتماعي وتفاديه من استعمال نسيج “جمعيات التنمية” المدارة من قبلها، في تأطير ما يصعد من نضال بالقرى وبالأحياء الشعبية بالمدن، حارفة إياه عن سبيل النضال ضد سياسات الدولة نحو التماس صدقات سياستها الاجتماعية۔ لكن عمق الأزمة يعمل علی تغيير سيكولوجية ملايين الرجال والنساء۔ وقد صار الشباب، على وجه الخصوص، منفتحين بشكل أكبر على الأفكار الثورية وأقل تأثرا بأضاليل التنمية المزعومة۔ التناقضات الصارخة في المجتمع والمعاناة المخيفة للجماهير، كل هذه الأشياء تخلق كما هائلا من الغضب والسخط، الذي يتراكم بصمت في عمق المجتمع وينذر بانفجار وشيك.
+ غياب حزب الطبقة العاملة، أداة العمال والكادحين الثورية من أجل التحرر والانعثاق۔ يبرز حجم هذا الغياب في لحظة كالتي نحن بصددها اليوم، فلا صوت عمالي في لحظة الانتخابات، بينما يستوجب ألف باء سياسة عمالية طبقية استعمال الانتخابات لغايات التنوير السياسي لجماهير عمالية ضلت لعقود تحت تأثير التخبيل البرجوازي والشعوذة “الديمقراطية” لقوى اليسار التاريخي، وضرر تنامي تيارات الإسلام السياسي. تنتصب هذه الإشكالية الذاتية عاٸقا أمام تطور الصراع الطبقي في المغرب، وتقف أزمة القيادة أمام نمو الوعي السياسي للطبقة العاملة، فرغم أن العمال وعموم الجماهير يتعلمون من تجربتهم الخاصة، لكنها سيرورة تعلم بطيئة ومؤلمة. وسيكون من الممكن تسريع وثيرتها بشكل كبير في حالة وجود منظمة ثورية جماهيرية بأعداد كافية ولها نفوذ معنوي وانغراس منظم وسط العمال.
إن اللبنات الأولی لهذا الحزب موجودة في شخص المجموعات الماركسية القاٸمة، وطلاٸع النضال الصاعدة من قلب المعارك سواء النقابية (بالقطاع الخاص، والتنسيقيات الفٸوية بالقطاع العام، والفروع النقابية المكافحة، ونقابة الطلاب)، أو الصاعدة من قلب الحراك الاجتماعي (شباب حركة 20 فبراير، حراك القری المهمشة والاحياء الشعبية بالمدن، حركات المعطلين)، شريطة تخلص هذه المجموعات من داء نخر جسدها منذ سنين طوال، هو داء العصبوية۔ بثنا نحتاج إلى ثورة داخلية، حيث لم يعد بالإمكان التفكير بنفس الطريقة الحلقية القديمة، كما نحتاج إلی طرق عمل واستقطاب جديدة تكسر نزعة اللاتنظيم المتفشية وسط الشباب نتيجة لإحساسهم باللاجدوی والإحباط من تنظيمات لا تأثير لها۔
إن المهمة الأولی الملقاة علی كاهل مناضلي ومناضلات الطبقة العاملة هي بناء المنظمة وذلك من خلال :
+ فتح نقاش آني داخل حلقات الماركسيين الجدريين، علی ضوء المهام الظخمة في الظرف الراهن، وتسطير برنامج حد أدنی للنضال في أفق التوحيد۔
+ الانخراط الميداني في النضالات الجارية، والدفع نحو توحيدها، وحفز التنظيم الذاتي للجماهير العمالية والشعبية من خلال تأسيس لجان الإضراب ولجان الأحياء۔
+ التوجه نحو الشباب، فهم الأكثر ثورية بطبيعتهم، وكما قال لينين ” من يملك الشباب، يملك المستقبل “۔ تمنحنا الظروف الحالية فرصة لا تعوض، فمعدلات البطالة المرتفعة، وتدني مستوی خدمات التعليم والصحة، وشروط العمل المجحفة بالقطاعين العام والخاص، ولدت عند هذه الفٸة سخطا متعاظما، يجب أن يواكبه الماركسيون بالتكوين والتوعية اللازمة۔
– الآفاق :
تعد الظروف الصعبة التي تمر منها الطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية بمثابة مدرسة قاسية تزخر بالعبر والدروس، رغما ما قد تحمل فصولها من هزاٸم وانتكاسات۔ إننا جد متفاٸلين، علی العكس من بعض “اليساريين” والنشطاء النقابيين الذين فقدوا الثقة في قدرة الطبقة العاملة، نتيجة قراءة سطحية لتراجع احتجاجات العمال، دون النظر بتمعن لارتفاع منسوب الغضب الذي تراكم منذ سنين والذي يٶدي إلى حدوث تغيرات مفاجئة بين عشية وضحاها۔ يكفي أن نذكر هٶلاء أن نفس الأوضاع سنوات 1985-1980 كانت قد شهدت تنظيم إضرابين عامين وانتفاضتين كبيرتين (1981-1984) هزتا النظام المغربي الذي لم ينقذ نفسه إلا باستعمال الجيش والدبابات والرصاص لإنهاء الحركة الثورية۔ أو بالإضراب العام التاريخي في فرنسا سنة 1968 في ضل ديكتاتورية دوغول، وركود اقتصادي حاد، وتواطٸ النقابات التابعة للستالينية۔۔
إننا علی يقين من أن الإنفجار الاجتماعي ضرورة ستعبر عن نفسها من خلال حادث بمثابة شرارة تشعل الوضع، ورغم عدم قدرتنا علی تكهن زمان ومكان بداية هذا الانفجار إلا أنه أمر حتمي، وينبغي أن نكون مستعدين لذلك۔ وتمنحنا فرصة هذا الهدوء النسبي وقتا يجب استغلاله في بناء قوانا، بناء الكوادر الثورية جنبا لجنب مع توسيع قاعدة منظماتنا فلا تناقض بين المهمتين۔