
بعد الثورة الفرنسيةو كومونة باريس التي انطلقت نتاج الصراع الطبقي بين الطبقات الكادحة والبرجوازية حيث كانت تحكم بنظامها الاقطاعي والقائم أيضاً على التحالف الوثيق مع المؤسسات الدينية متمثلة بالكنيسة ورجالها الارستقراطيين.
قامت الثورة بعد وصول الطبقات الكادحة لحالة التناقض الثوري مع تلك البرجوازية والمؤسسات الكنسية ونجاح الثورة أدى إلى فصل الدين عن الدولة والتحول إلى مجتمع الدولة المدنية مما أحدث تطوراً وثورة صناعية أدت إلى تعمق وتبلور الفرز الطبقي بين الطبقة العاملة والبرجوازية الحاكمة والمالكة لقطاعات وأدوات الإنتاج من شركات صناعية كبرى وغيرها مما أدى إلى التنافس الامبريالي على الأسواق ومنابع الثروات.
أحدِثَت التحالفات بين الامبرياليات المتشكلة نتيجة التطور الصناعي الهائل وبالتالي تطور في رأس المال مما خلق تناقضا بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العمالية أدت إلى قيام ثورات تنادي بالاشتراكية كنظام اقتصادي بديل عن النظام الرأسمالي وبنجاح ثورة الطبقات الكادحة في روسيا القيصرية بالوصول إلى السلطة بقيادة لينين والبلاشفة أحدث رعبا هز كيان النظام الرأسمالي العالمي.
وبسبب التناقضات البنيوية ضمن هذا النظام والتناقضات بين مصالح الإمبرياليات الاقليمية الناشئة ظهرت الحاجة إلى خلق الحروب على خلفية عدائية قومية وعنصرية من أجل السيطرة والهيمنة على منابع الثروات في العالم وعلى السوق العالمية وبرزت في هذا المناخ المناسب لظهور النازية والفاشية كحالة تضخم وتعملق للرأسمال في إطاره القومي أدى إلى نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية والتي غيرت التحالفات بين قوى الرأسمال العالمي وبين النظام الاشتراكي متمثلا بالاتحاد السوفييتي وحلف وارسو واللذي تم من بعد استلام ستالين السلطة وقيادة الحزب الشيوعي ليحرف الثورة عن مسارها الاشتراكي الثوري لتصبح نظام رأسمالية الدولة هو السائد في عموم المعسكر الاشتراكي
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي كانت الإمبريالية تتطور صناعيا مطبقة على الطبقات الكادحة واستنزافهم بزيادة دفع الضرائب لأجل الحرب ضد العدو الوطني والقومي والذي أدى إلى التطور الصناعي والتقني لهذه الدول ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان لابد للدول الإمبريالية من عدو مهدد يجعل من شعوبها تدفع المزيد من الضرائب وسرقة أكبر لجهد الطبقات الكادحة فما كان منها إلا إيجاد هذا العدو المتمثل بالمعسكر الاشتراكي وإعلان الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والراسمالي الذي أدى إلى سباق التسلح والتنافس على التطور العلمي والتقني بينهم ولهذا كان حاجة ماسة لوجود العدو الموازي للطبقة الرأسمالية في معسكر الإمبريالية العالمية وأيضاً للطبقة الحاكمة المترفة في الكرملين وباقي المعسكر الاشتراكي أو مايسمى زورا بالشيوعية والاشتراكية.
ولهذا على عكس ماكان يظن البعض أن الحرب الباردة التي كانت دائرة بين المعسكرين الرأسمالي بنظامه اقتصاد السوق وبين المعسكر الاشتراكي بنظامه القائم على رأسمالية الدولة هو خلاف ايديولوجيا. لا بالعكس أدرك قادة النظام الرأسمالي والاشتراكي المزعوم أن إعلان الحرب الباردة والحالة العدائية هي لمصلحة المعسكرين من أجل استمرار القطبية المتوازنة وبالتالي استمرار خلق مناخ يسهل زيادة دفع الضرائب واستغلال كبير للطبقات الكادحة في المعسكر الرأسمالي وأيضاً زيادة في إدارة عجلة الإنتاج وتطور ادواتها في المعسكر الاشتراكي مما يؤدي إلى زيادة في الدخل الوطني لدول التحالف الاشتراكي وهذا بدوره يؤدي لمزيد من تطور رأسمالية الدولة والمهيمن عليها الطبقة السياسية الحاكمة باسم الاشتراكية.
وظل هذا الوضع قائماً لوصول النظام المتلطي وراء شعارات الاشتراكية ونتيجة لتطور الكتلة النقدية الهائلة بين أيدي رجالات الطبقة الحاكمة والتطور الحاصل في الصناعات العسكرية نتيجة التنافس المعلن بالحرب الباردة والتي كانت متفق عليها كان لابد من إنهاء هذا التلطي وراء الاشتراكية وإعلان تبني النظام الاقتصادي الرأسمالي بنظامه اقتصاد السوق وهذا كان حاجة ملحة للرأسمال المتركز بين أيدي الطبقة السياسية الفاسدة لأجل وضع هذه الرساميل في اقتصاد السوق العالمي.
وبانهاء وإعلان انهيار منظومة الحكم الاشتراكي وتحولها إلى النظام الرأسمالي كان هذا بمثابة إعلان نهاية الحرب الباردة ولكن هذا أيضاً أدى إلى حالة عدم استقرار وأزمات في هذا النظام الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت مدركة انه لابد من أجل استمرارها وبقاء نظامها الامبريالي لابد من الحروب وبالتالي لابد من وجود عدو موازي لشن الحروب التي تعني الخلاص من أزمات هذا النظام الرأسمالي.
ولهذا فكر ساسة هذا النظام أن العدو البديل للعدو الاشتراكي المنصرم هو الإرهاب المتمثل بالإسلام السياسي المتطرف حيث انه يملك ديمغرافيا واسعة وامتداده بدول على عدة قارات والأهم من هذا أن منابع ثلثي ثروات العالم من المواد الخام للصناعة والثروة النفطية الهائلة وأيضاً أهم خطوط النقل ومعابره الحيوية ذات القيمة الاقتصادية العالمية هي في ضمن هذه الدول الإسلامية.
ولذا سرعان مابدأوا بصناعة الإرهاب بشقيه السياسي والعسكري وتغذية الأحقاد والتطرف الطائفي والمذهبي ولأجل تحقيق هذه الأهداف كان لابد من خلق المناخ لهذا الصراع لهذا كان قرار التضحية بشاه إيران الذي كان الخادم المطيع للغرب ولكن بوجود حالات عدم استقرار سياسي وخوفا من نشاط اليسار وانتشاره بين فئات الشعب المسحوقة في إيران ذات الطابع المذهبي الشيعي.
من أجل تحقيق هدف الإمبريالية الإستراتيجي في إيجاد عدو موازي قوي كفاية ليتحدى النظام العالمي الإمبريالي
فأثنت على الخميني المنفي إلى أوروبا بأمر الشاه، والخميني الذي كان إماما شيعيا بامتياز ومؤثرا بسلطة روحية _دينية على الشارع الشيعي لهذا تم التضحية بالشاه الذي كان مترنحا أمام الاحتجاجات المتفجرة في الشارع الإيراني من الغالبية المسحوقة.
تم تسهيل عودة الخميني لإيران لأجل قيادة الشارع والسيطرة عليه واخذه لحرف الصراع الطبقي القائم وتحويله لثورة إسلامية تطيح بالشاه الذي كان رمزاً للظلم والفساد والكفر المتمثل بولائه للغرب وهكذا تم إنشاء دولة شيعية متطرفة وهذا ما أرادته الإمبريالية تماماً من خلق المناخ المناسب للصراع المذهبي الخادم للمشروع الامبريالي الصهيوني في المنطقة ولتحقيق مهمة إيجاد العدو الذي سيحل بعضا من أزمات الرأسمال العالمي.
وبتهمة الإرهاب التي أطلقتها الإمبريالية على تنظيم القاعدة الإسلامي الذي هي اوجدته من خلال تمويل سعودي خليجي وحملات الجهاد التي اوعزت دور الإفتاء الإسلامي السعودي له لمحاربة “الكفار” أثناء محاولة التوسع السوفييتي السلطوي لأفغانستان، فهذه “القاعدة” المدربة جيداً في قواعد أمريكية وأوروبية وتحت إشراف استخباراتهم . مجرد حصان طروادة للدخول لمنطقة الشرق الأوسط بقوة لإعادة احتلال المنطقة.
لهذا خططت الإمبريالية الأمريكية لعملية استخباراتية تنفذها القاعدة في عمق الولايات المتحدة الأمريكية بتفجير مبنى التجارة العالمي فحولت انظار العالم والشعب الأمريكي إلى إرهاب القاعدة الإسلامية لأجل إعلان البدء بالحرب على الإرهاب بدءا من أفغانستان إلى العراق إلى باقي بلدان الشرق الأوسط عموماً.
وهكذا تمت مخططات الإمبريالية للاستثمار الواسع للحروب والهيمنة على منابع ثروات واسواق وممرات استراتيجية في المنطقة بسبب تأجيج الصراع المذهبي الشيعي الإيراني والسني بقيادة السعودي والخليج والتركي وأيضاً أشغال شعوب دول الإمبريالية بهذا العدو والإرهاب “الإسلامي” لدفع مزيد من الضرائب لشن الحروب وصناعة وتجارة السلاح المنعشة للاقتصاد الرأسمالي العالمي والاستثمار في تدمير الدول وإعادة اعمارها وعبر توزيع الأدوار مابين الدول الإمبريالية المعنية مثل أمريكا وروسيا وتركيا وبعض امبريالية أوروبا وخدمها سلطات الدول المستهدفة في هذا الشرق.
ومازال العدو المعلن الموازي في الصراع هو الإرهاب الإسلامي لحد الآن إلى أمد ليس ببعيد ولمرحلة قادمة من أزمات الإمبريالية والتي متوقع ان تكون بداية النهاية لهذه الإمبريالية بتطور الوعي للطبقات الكادحة للشعوب في دول الإمبريالية ذاتها وفي زيادة الوعي الاشتراكي الثوري في شعوب دول الصراع في هذه المنطقة من العالم سيؤدي حتماً إلى الصراع الثوري الحتمي ضد الإمبريالية العالمية وزوالها كنظام اقتصادي متوحش سبب الكثير من الدمار والدماء بين الشعوب لإعاقة تطور الطبقات الكادحة وتأخير ثورتها الحتمية.
بقلم الرفيق أبو غيفارا