
مازال بعض المحللين والمتحدثين والذين يحملون فكرا شيوعيا تقليديا حين تذكر روسيا ودورها في الشرق الأوسط عموما وفي سوريا خصوصا يتحدثون عنها وكأنها ماتزال روسيا(-تهم) الستالينية القابعة في ذاكرتهم . وحين تحلق طائراتها الحربية وتقصف المدن السورية يقولون انها لاتقصف سوى الإرهاب، وحين تضع ايديها على منشآت اقتصادية حيوية كآبار الغاز ومناجم الفوسفات ومعامل الأسمدة والمرفأ الحيوي بطرطوس ومطارات أساسية في الساحل وحمص وكلها اخذتها بعقود طويلة الأمد لخمسين عام وأكثر يبررون سلوكها انها تفعل ذلم في صالح الدولة السورية وحماية شعبها، فانهم مازالوا يرون في روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي بدكتاتورها ستالين صنمهم المفضل .
ولو تبصروا الواقع بواقعية لعرفوا أن روسيا منذ ستالينهم المعبود الذي سيطر على الدولة البلشفية بعد وفاة لينين حيث اغتال أغلب قادتها اليساريين ولاحق مفكري الثورة بالنفي والسجون مستغلا الحرب، وحول اقتصاد ونهج الثورة الاشتراكي إلى رأسمالية الدولة ليشكل طبقة حاكمة من قادة الكرملين والطبقة السياسية المترفة على حساب العمال والطبقات الكادحة المحدودة الأجر والمسروقة من قبل تلك الطبقة السياسية التي استغلت وضع الحروب التي كانت دائرة في تلك المرحلة، مما سهل للكريملين كبت الحريات وقتل وخنق اي تمرد بقوة.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وصولاً إلى عهد بوتين القادم من رئاسة جهاز المخابرات ال ك ج ب إلى رئاسة روسيا ذات النهج الاقتصادي الرأسمالي مستثمرا إرث الاتحاد السوفييتي من صناعات عسكرية متطورة ونووية ومنشآت اقتصادية وكتلة نقدية في بناء اقتصاد روسيا منتهجا اقتصاد السوق وبسياسته الليبرالية وزيادة حجم الرأسمال وتوسعه باستثمارات النفط والغاز فأصبح لديه القدرة على التنافس مع بقية الدول الكبرى في أوروبا.
وحين هبت رياح الثورات في شرقنا الأوسط لم توفر الفرصة روسيا في الدخول في لعبة المحاصصة ودخلت على ملف ليبيا مع الإمبريالية الأوروبية والأمريكية ولكن حين بدأت هذه الدول بتقاسم حصص النفوذ وجدت نفسها روسيا خارج الاتفاق وعلمت انهم خدعوها ولهذا أعلن وزير خارجية روسيا حينها بقوله أن الشركاء خدعونا، لهذا لم يوفروا الفرصة في سورية حين علمت أن النظام على حافة الهاوية فعرضت على النظام إنقاذه مقابل شروطها وعقودها؛ مثل قواعدها العسكرية الدائمة وعقود آجار لمرفأ طرطوس وعدة مطارات في الساحل وحمص ومناجم الفوسفات ومصانع الأسمدة الفوسفاتية والآزوتية لمدة خمسين عام وأكثر ولها حصة الأسد في استثمارات النفط والغاز في المنطقة الوسطى وفي الآبار التي سيجري استثمارها وبنسبة 70 بالمائة من الأرباح وطبعاً وافق النظام وكان هذا بمثابة احتلال للسيادة الوطنية ونهب للثروات الوطنية .
وبدأ بوتين حربه ضد الميليشيات المشغلة من قبل باقي الدول المنافسة له ، وأيضا ضد البنى التحتية للشعب السوري، مما أدى إلى سقوط الآلاف من الضحايا وتدمير مساكن وفعاليات اقتصادية للشعب السوري. ولم يغفل بوتين عن الاستفادة من وجود إيران حليفة النظام في حربه من أجل تحقيق غايته وهي الدفاع عن النظام من أجل تنفيذ العقود الاستثمارية المبرمة مع النظام ومسوقا تبرير وجوده وحربه في الداخل السوري عبر منافذ وهيئات ” الشرعية الدولية” كمجلس الأمن والأمم المتحدة ، مدعيا بأن وجوده شرعي بطلب من النظام،
وهكذا انتصر دبلوماسيا وعسكريا بفرض شروط المنتصر بإعادة إنتاج النظام عبر انتخابه من جديد ليضمن بذلك حماية استثماراته وتنفيذ تفعيل عقوده مع النظام . ولهذا أصبحت روسيا دولة احتلال بواسطة النظام ومهيمنة على السيادة السورية وعلى معظم ثروات البلاد بالتفاهم مع “شركائها” الدول الإمبريالية الأخرى، حيث اعترفت بدورها بحصص روسيا مع الاعتراف بنسب دول الصراع في سوريا كتركيا في الوصاية على منطقة إدلب وريف حلب الشرقي وحقها باستثمار تلك المنطقة، وايضا الاعتراف لأمريكا ،الشريك المنافس الأقوى، بسيطرتها على منابع النفط في مناطق قسد مع الاعتراف بحكم ذاتي للأكراد مدعوم أمريكياً .
ولم يبق مايمنع إعلان التسوية السياسية سوى إنهاء ملف الجنوب السوري درعا والسويداء ليتم محاصرة درعا وإعلان الحرب عليها من جديد، هذه الحرب المتفق عليها بين الدول المعنية في الصراع السوري، ولهذا استغل النظام هذه الحرب لينتقم أشد انتقام من مدينة درعا لاذلالها ومحاولة إنهاء جذوة الثورة الشعبية وشرارتها الأولى لذا كان القصف أشد عنفا وفرض التهجير القسري لمنطقة ادلب المسيطر عليها من قبل المليشيات الإسلامية المتشددة لكي تعمل القتل فيهم من قبل هذه الاصولية الإرهابية. لهذا كانت روسيا الإمبريالية القوة الضاربة عسكريا والمفاوضة لصفقة التهجير القسري طمعا بدرعا المنفذ الحدودي مع الأردن المهم اقتصاديا وسياسياً للغاية، نعم هذه هي روسيا الإمبريالية التي حضرت لشرقنا لأجل المنافسة مع شركائها الإمبرياليين كما كان لافروف يحلو له ان يناديهم.
ومع كل هذا الذي جرى من الهيمنة والاحتلال لسورية من قبل روسيا لم نسمع احتجاجا من الحزب الشيوعي الروسي بقيادة غينادي زيغانوف على عملية الحرب الوحشية في سوريا هذا لأنه مثل الأحزاب التقليدية عندنا كالحزب الشيوعي السوري الذي مازال يرى في روسيا دولة إنقاذ للشعب السوري، فمازالت روسيا في ذاكرتهم روسيا الحمراء وريثة الاتحاد السوفييتي وصنمها ستالين.
بقلم: ابو غيفارا